للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلا ما هو حكم الله تعالى من إعطاء كل ذي حق حقه، ووصيته هذه مؤكدة لوصية الله تعالى المذكورة في محكم كتابه بقوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} (١)، فهو كمن أوصى ورثته بأن يقتسموا ما خلفه لهم على ما فرضه الله تعالى.

فإن قلت: قد يحصل له الثواب بهذه الوصية، أعني: التسوية على فرائض الله، فيصدق عليها اسم الوصية للوارث، ويحصل بها فائدة للموصي.

قلت: الثواب الذي حصل له هو بالإرشاد إلى ما أرشد الله إليه، وامتثال ما أمر الله بامتثاله من أعطى كل ذي حق حقه، ولا يشك أن الأمر بامتثال أوامر الله وفرائضه قربة وليست القربة والثواب بتصيير ذلك المال بين ورثته على فرائض الله؛ فإن ذلك هو أمر الله وحكمه وشرعه، وهو كائن كذلك سواء أوصى أو لم يوص ...... (٢) من أمر أولاده بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وسائر الطاعات، فإنه يثاب على ذلك الأمر، ولا يثاب على نفس صلاتهم وزكاتهم ونحوهما، لأن تلك الفرائض افترضها الله عليهم، وأمرهم بتأديتها، فاستحقوا الأجر بفعلها.

فإن قلت: سلمنا دلالة الأحاديث التسوية المتواترة على التسوية بين الأولاد، فهو لا يدل على التسوية بينهم وبين غيرهم من الورثة إذا كان معهم من الورثة غير أولاد، ولا يدل على التسوية بين الورثة أنفسهم إذا كانوا غير أولاد.

قلت: [٤أ] هذا إذا لم يفده هذا الدليل بالقياس بلحن الخطاب فقد أفاده حديث: " لا وصية لوارث "، وقد قدمنا تقريره على وجه يظهر به غاية الظهور، ويتبين به أكمل بيان، وإنما تعرضنا لأحاديث التسوية لما تعرض لها البدر - رحمه الله - فأوضحنا أنها عليه لا له.

واعلم أنها قد اتفقت كلمة أهل العلم على أن الذي كان في أول الإسلام هو الوصية


(١) [النساء: ١١].
(٢) كلمات غير واضحة في المخطوط.