للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والعرفية فليست مما يثبت بمثله الأحكام الشرعية، فإن تقييد النسخ بكونه مجرد الوجوب قد استلزم مع كونه خلاف الأصل، والحقيقة دعوى تقييد قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: " لا وصية لوارث " تقيد لم يتكلم به - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -، ولا دل عليه كلامه بوجوبه من وجوه الدلالة، لا مطابقة، ولا تضمنا، ولا التزاما.

وإذا لم يكن على هذا دليل لزم القائل بأن النسخ لوجوب الوصية للوارث لا لغير الوجوب أن يقول هذه المقالة في كل ناسخ ومنسوخ، فيقول مثلا: إن النسخ للتوجه إلى بيت المقدس إنما هو نسخ للوجوب (١)، فيبقى جواز استقباله أو ندبيته، وهذا يستلزم صحة صلاة من توجه إليه، وهو خرق للإجماع، ومخالفة للعموم من الدين ضرورة.

فإن قال: إنه قال ذلك في الوصية للوارث لما فهمه من قوله: " إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث " (٢) فما باله لا يفهم مثل هذا في استقبال بيت المقدس، فإن الله قد فرض على [٤ب] كل مسلم استقبال الكعبة، فلا استقبال لبيت المقدس، دوران هذا دوران ذلك، وهكذا يلزمه أن يحمل كل نسخ على الوجوب، إلا ما وقع التصريح فيه بزيادة على ما صرح به قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: " لا وصية لوارث ".

فإن قال: أنا أخص ذلك بالوصية للوارث.

فنقول له: ما الدليل على ذلك؟ وما بال هذا الموضع كان قابلا لهذا منك دون غيره.

فإن قال: قد ورد له نظير، وهو صوم يوم عاشوراء، فإن صومه مشروع مع كونه منسوخا بوجوب صوم ..........................


(١) انظر "الناسخ والمنسوخ" لأبي جعفر النحاس (١/ ٤٥٤ - ٤٦٠) و"فتح الباري" (١/ ٩٥). "زاد المسير" "١/ ١٣٥".
(٢) تقدم تخريجه.