للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نسلم [٢] أن ظاهرها عدم الفرق بين وصية الضرار وغيرها، لأن وصية الضرار قد سلف أنها من محبطات الأعمال، ومن موجبات دخول النار، فهي بلا شك زيادة في السيئات لا زيادة في الحسنات، والنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قد قيد الإذن بالتصرف في الثلث والتفويض فيه بقوله: زيادة في حسناتكم، وفي حديث أبي هريرة (١) المشار إليه بلفظ: زيادة في أعمالكم، فليس في هذه الأحاديث بعد تقييدها بالزيادة في الحسنات , والزيادة في الأعمال ما يدل على أنها تدل على صحة وصية الضرار (٢).

الوجه الثالث: أنا لو سلمنا أنها أعم من الأدلة المانعة من وصية الضرار من وجه، وأخص منها من وجه، ولم نلتفت إلى ما قيدت به من الزيادة في الحسنات، والزيادة في الأعمال، وصرنا إلى التعارض والترجيح، فلا يشك من له أدنى تمسك بأذيال العلم أن نصوص الكتاب والسنة القاضية بالمنع من وصية الضرار أرجح من هذه الأحاديث الضعيفة.

وإذا تقرر هذا علم المنصف أن من أجاز الوصية بالثلث ضرارا وإحراما للوارث ليس بيده دليل، وأما ما يستند إليه من قصر باعه، وقلة حظه، واطلاعه من أن الوصية ليس من شرطها القربة فتصح وصية الضرار (٣)؛ فهذه غفلة عظيمة سببها عدم الاطلاع على


(١) تقدم تخريجه وهو حديث حسن.
(٢) قال الشوكاني في "وبل الغمام" (٢/ ٣٩٦): "بتحقيقي .. فوصية الضرار ممنوعة بالكتاب والسنة، ومن جملة أنواع لضرار تفضيل بعض الورثة على بعض فإن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سمى ذلك جورًا كما في حديث النعمان وقد تقدم".
ومن جملة أنواع الضرار ما أشار إليه بقوله: أو لإخراج المال مضارة للورثة، فإن من أوصى بماله أو بجزء منه لقربة من القرب، مريدًا بذلك إحارم الورثة جميع ميراثهم أو بعضه فوصيته باطلة، لأنه مضار وظاهر الأدلة أنه لا ينفذ من وصية الضرار شيء سواء كانت بالثلث أو بما دونه أو بما فوقه، بل هي رد على فاعلها فتكون أحاديث الإذن بالثلث مقيدة بعدم الضرار.
(٣) قال ابن قدامة في "المغني" (٨/ ٣٩٧): وإن وصى لولد وارثه صح، فإن كان يقصد بذلك نفع الوارث لم يجز فيما بينه وبين الله تعالى. قال طاووس في قوله تعالى: " فمن خاف من موص جنفا أو إثما " [البقرة: ١٨٦]. قال: أن يوصي لولد ابنته، وهو يريد ابنته. رواه سعيد- أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (٦/ ٢٦٥ - ٢٦٦) والدارقطني (٤/ ٥٢).
قال ابن عباس: الجنف في الوصية والإضرار فيها من الكبائر.