للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشِّفا (١) عن الإمام المؤيَّد بالله أنه قال: أجمع الصحابةُ على القول بالعول، ولم يخالِفْ في ذلك إلا ابنُ عباس، فانظُر أين يقعَ ابنُ عباس- رحمه الله- من جميع الصحابةِ، وأين يقع قوله منفردًا من قول جميعِهم! ومع هذا فهاهنا دليلٌ يصلح للتعويلِ، وهو حديث ابن عباس الصحيحُ المتفقُ (٢) عليه بلفظ أنَّ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأول رجلٍ ذكرٍ" فإن من تأمل هذه الحديث حقَّ التأمُّلِ وجدَ فيه ما يرد على ابن عباس النافي للعولِ، وعلى سائرِ القائلينَ بقوله، فإن المرادَ بالفرائضِ المذكورةِ في الحديثِ هي الأنصباءُ المقدَّرةُ (٣)، وأهلها هم المستحقون لها بالنصِّ.

هكذا فسَّر الحديثَ المحققونَ من شرَّاحِ كتب الحديث. قالوا: والحديثُ يدل على أنَّ الباقي بعد استفياء أهل الفروضِ المقدرةِ لفروضِهم يكون لأقربَ العصَبَاتِ من الرجال ولا [١٠ب] يشاركُه من هو أبعدُ منه (٤). وقد حكى النووي (٥) الإجماعَ على ذلك، فعرفتَ أن استيفاءَ أهل الفروض المقدرةِ لفروضِهم لا يكون إلا بإعطاء كل ذي حقٍّ حقَّه أما مع عدم المزاحمةِ بالعول فظاهرٌ، وأما مع المزاحمةِ بالعول فلا يحصلُ العملُ بالحديثِ إلا بإعطاءِ كلِّ وارثٍ في تلك الفريضة بمقدارِ فَرْضِهِ من التركةِ، وتعول المسألةُ بخلافِ إسقاطِ بعض ميراثِ أهلِ الفروضِ المقدرةِ أو كلِّه، فإنه لم يحصل العملُ فيه بالحديثِ لأنه لم يقع إلحاقُ الفرائضِ بأهلها. وقد اعترف الجلالُ في ضوء النهار (٦) بأن


(١) أي "شفاء الأوام" (٣/ ٤٧١).
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) قال الحافظ في "الفتح" (١٢/ ١١) قوله: "ألحقوا الفرائض بأهلها" المراد بالفرائض هنا الأنصباء المقدرة في كتاب الله تعالى وهي النصفُ ونصف نصفه والثلثان ونصفهما ونصف نصفهما والمراد بأهلها من يستحقها بنص القرآن.
(٤) انظر "فتح الباري" (١٢/ ١١ - ١٢).
(٥) في شرحه لصحيح مسلم (٤/ ٤٩ - ٥٠).
(٦) (٤/ ٢٦٤٣).