للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السنةِ حتى أبانَ لنا بأنَّ هذه السنة (١) هي التي خلتْ في عباده، وأنه شرْعُه الذي ارتضاه لمن مضَى من الأمم، وأنَّ الشرائع التي شرعَها لسابق عبادِه ولاحقِهم في كتبه المنزَّلةِ [٢أ]، وعلى ألسنِ رسله هي هذه، ثم ذيَّلَ هذا الكلامَ بقوله: {وخسر هنالك الكافرون} فكان في هذه الجملة [ .... ] (٢) أبلغ مناداةِ، فإنه لم يحصلْ لهم من ذلك الإيمانِ عند رؤية الناس إلا الخسران، فلم يعاقبوا بمجرَّد الخيبةِ مما قالوه بألسنتهم، بل ضمَّ لهم إلى ذلك الخسرانَ المشعِرَ بأنه قد نزل بهم من المِحَنِ ما لا يُعَبَّرُ عنه إلا بهذه العبارة المفيدة لجمعِ العقوبةِ لهم على أبلغِ وجهٍ، وأتمِّ صورة، فكان فيها من الدلالة على ما أراده الإمام علي بن موسى - رحمه الله- والمناداةُ بما قصده بما هو أوضحُ من شمس النهار، وأمَّا حديثُ: "الإسلام يجب ما قبله" (٣) فغايتُه أنه دلَّ بعمومه باعتبار تعريفِ المسندِ إليه على أنه يجبُّ كلَّ ما تقدَّمهُ، وإن كان قائله إنما قاله عند رؤية الناس، ومخافةِ السيفِ. ولا يصلح مثل هذا الحديث لتخصيص عموم الآيةِ؛ لأنه عامٌّ فيها يعارضُ عموماتٍ، فيطلب المرجح لأحدِهما، لا سيَّما بعد ورودِه على هذا الوجه من التأكيد، والتكرُّرِ، والمبالغةُ في العبارة أرجحُ لكونه قطعيَّ المتنِ، وإن كان ظنيَّ الدلالة لكنه أرجحُ من الحديث، فإنه ظنيُّ المتن والدلالةِ جميعًا [٢ب].


(١) تقدم شرحها.
(٢) كلمة غير واضحة في المخطوط.
(٣) أخرجه أحمد في "المسند" (٤/ ١٩٩) و (٤/ ٢٠٥).
وأخرجه الطبراني كما في "المجمع" (٩/ ٣٥٠ - ٣٥١) وقال: رجالهما رجال الصحيح.
والبيهقي في "السنن الكبرى" من حديث عمرو بن العاص أنَّ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "الإسلام يجب ما قبله".
وأخرجه ابن سعد في "الطبقات" (٧/ ٢٩٦ - ٤٩٧)، من حديث جبير بن مطعم.
وأخرجه مسلم في صحيحه رقم (١٩٢/ ١٢١) من حديث عمر بلفظ: "أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأنَّ الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله".