للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال جار الله الزمخشري (١) في تفسير الآية: جعلت [الذلة] (٢) محيطة بهم، مشتملة عليهم، فهم فيها كما يكون في القبة من ضربت عليه، أو ألصقت بهم حتى لزمتهم ضرب لازب كما يضرب الطين على الحائط فيلزمه.

وقال (٣) في تفسير الآية الثانية: والمعنى ضربت عليهم الذلة في عامة الأحوال إلا في حال اعتصامهم بحبل الله وحبل الناس، يعني ذمة الله وذمة المسلمين؛ أي: لا عز لهم قط إلا هذه الواحدة وهي التجاؤهم إلى الذمة لما قبلوا الجزية، ثم قال: وضربت عليهم المسكنة كما يضرب البيت على أهله، فهم ساكنون في المسكنة غير ظاعنين عنها، وهم اليهود عليهم لعنة الله وغضبه. انتهى.

إذا تقرر هذا فربك - جل وعز- قد أخبرك في كتابه أن الذلة مضروبة على اليهود، دائمة لهم بدوامهم، شاملة لجميع الأشخاص في جميع الأزمان، على جميع الأحوال، وليس المراد بذلك الأمر [٢] الخلقي الجبلي، بل المراد التسليط عليهم، فلا تزال الحوادث تطرقهم، والمصايب تتعاورهم على ممر الدهور، وتعاقب العصور، وليس المراد بالذلة المضروبة [الذلة الحاصلة بسبب خاص، أو ببعض معين؛ لأن ذلك تحكم لم يدل عليه دليل، بل المراد] (٤) [إلا] (٥) الذلة الناشئة عن أي سبب كان من الأسباب التي لم يمنع الشارع منها، فإجبارهم على الالتقاط محصل للذلة المضروبة، وكل محصل للذلة المضروبة جائز، فإجبارهم على الالتقاط جائز.

أو يقال: التقاطهم للأزبال ذلة، وكل ذلة مضروبة عليهم، فالتقاطهم للأزبال مضروب عليهم، أو التقاطهم صادق عليه اسم الذلة، وكل صادق عليه اسم الذلة


(١) في "الكشاف" (١/ ٢٧٦).
(٢) في (أ) الدلالة.
(٣) أي الزمخشري في "الكشاف" (١/ ٦١٠).
(٤) زيادة من (أ).
(٥) زيادة من (ب).