للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قريش" (١). ونحو ذلك مما يكثر إيراده. وتخلف هذه في الواقع ضروري لا ينكر، وعدم تخلف الأخبار النبوية ضروري، فلهذا قلنا: إنها أخبار مراد بها الإنشاء.

ولعل حديث: "الإسلام يعلو [ولا يعلى عليه] (٢) " من هذا القبيل، فيكون في قوة أمر المسلمين بأن يجعلوه عاليًا ببذل الأنفس والأموال، والتشديد على عداء الله، وهو أدخل في الدلالة على المطلوب.

الدليل السابع: أخرج مسلم (٣) من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام، وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه" (٤).

أمر- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- الأمة بأن لا يدعوهم يمشون في وسط الطريق؛ لما في ذلك من ظهور العزة، وأمرهم بأن يضطروهم [٤] إلى أضيقه إظهارًا لإذلالهم، وإهانتهم وكراهة لمساواتهم المسلمين في جادة الطريق. وفحوى الخطاب ولحنه قاضيان بمنعهم عن


(١) أخرج أحمد في "المسند" (٢/ ٣٦٤) عن أبي مريم أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الملك في قريش، والقضاء في الأنصار، والأذان في الحبشة والسرعة في اليمن" وقال زيد - ابن الحباب- مرة يحفظه: "والأمانة في الأزد".
* ورجاله رجال الصحيح غير أبي مريم وهو الأنصاري، فقد روى له أبو داود والترمذي وهو ثقة.
واختلف في وقفه ورفعه، والموقوف أصح.
(٢) زيادة من (ب).
(٣) في صحيحه رقم (٢١٦٧) وأحمد (٢/ ٤٣٦) وأبو داود رقم (٥٢٠٥) من حديث أبي هريرة.
قال القرطبي في "المفهم" (٥/ ٤٩٠): إنما نهى عن ذلك لأن الابتداء بالسلام إكرام، والكافر ليس أهلًا لذلك، فالذي يناسبهم الإعراض عنهم وترك الالتفات إليهم، تصغيرًا لهم، وتحقيرًا لشأنهم، حتى كأنهم غير موجودين.
(٤) قال القرطبي في "المفهم" (٥/ ٤٩٠): أي: لا تنتحوا لهم عن الطريق الضيق إكرامًا لهم واحترامًا، وعلى هذا فتكون هذه الجملة مناسبة للجملة الأولى في المعنى والعطف، وليس معنى ذلك أنا إذا لقيناهم في طريق واسع أننا نلجئهم إلى حرفة حتى نضيق عليهم؛ لأن ذلك أذى منا لهم من غير سبب، وقد نهينا عن أذاهم