للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

محتاج إلى بسط طويل يخرجنا عن المقصد الذي نحن بصدده.

والدليل الثاني عشر: أن ملاحظة المسلمين إذا لم تتم إلا بإتعاب النفوس، وتقحم المشاق فليس الأمر بذلك بدعة لما ثبت عنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- من أمر المهاجرين والأنصار بحفر الخندق. وعزة الإسلام التي هي رأس المصالح الدينية إذ لم تتم إلا بإجبار اليهود فهي أولى بالجواز من حفر الخندق.

فإن قلت: إذا كانت المصلحة موجبة لمثل هذا فلم لا يكون تقرير المسلمين على ذلك من هذا القبيل.

قلت: في التقرير مفسدة عظمية، والمصالح مطرحة بجنب المفاسد. وقد صرح أئمة الأصول كابن الحاجب في المختصر (١)، والسبكي في جمع الجوامع (٢)، وابن الإمام في الغاية (٣) وغيرهم أن المناسبة (٤) تنخرم بلزوم مفسدة [٦] راجحة أو مساوية، ولم يخالف


(١) (٢/ ٢٣٩).
(٢) (٢/ ٢٧٤).
(٣) تقدم التعريف به.
(٤) المناسبة ويعبر عنها بالإخالة وبالمصلحة وبالاستدلال وبرعاية المقاصد ويسمى استخراجها تخريج المناط وهي عمدة كتاب القياس ومحل غموضه ووضوحه والمناسبة في اللغة الملائمة والمناسب الملائم.
انظر تفصيل ذلك في "البحر المحيط" (٥/ ٢٢٠).
قال في "البحر المحيط" (٥/ ٢٢٠): اختلفوا هل تنخرم المناسبة بالمعارضة التي تدل على وجود مفسدة أو فوات مصلحة تساوي المصلحة أو ترجح عليها على قولين:
١ - أنها تنخرم وإليه ذهب الأكثرون واختاره الصيدلاني وابن الحاجب لأن دفع المفاسد مقدم على جلب المصالح ولأن المناسبة أمر عرفي والمصلحة إذا عارضها ما يساويها لم تعد عند أهل العرف مصلحة.
٢ - أنها لا تنخرم واختاره الرازي في "المحصول" (٥/ ١٦٨) والبيضاوي في "المنهاج" (٢/ ٦٩١).