للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكم لهذه الآثار من نظائر عن السلف من التحرج عن الإقدام، وإنما ذكرنا هذه النبذة ليقتدي بهم العالم العامل، ويهتدي بهديهم، ولنعد إلى ما نحن بصدده.

قال - عافاه الله-: قلتم: هل من دليل يدل على إجبار اليهود على التقاط الأزبال؟

فأقول: لم أقف قبل رقم هذه الأحرف على كلام في ذلك لأحد من العلماء، وقد خطر بالبال حال زبر هذه الأحرف خمسة عشر (١) دليلًا أقول: هذا اعتراف منه بعدم النص لأحد من العلماء، إنما هذه الأدلة من مستنبطاته، مع أنه نقل في غصون الأدلة ما يقضي الاستناد إلى أقوال العلماء، الذين استظهر بكلامهم كما ستعرفه.

قال: الدليل الأول: قال الله تعالى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} (٢) وذكر كلامًا طويلًا حاصله دلالة الآية أن إعطاء الجزية غير كاف لتقييده بالصغار وثباته، واستظهر بكلام الكشاف (٣) والسعد على ذلك، وأن متعلقها الكل الإفرادي، فلا بد من الجزية من كل فرد صاغرًا لا الكل المجموعي، وأن الصغار هو الذلة والإهانة.

ثم قرر أن الصغار دائم في جميع الأوقات. ونقل الكلام المعروف لأهل الأصول، وكل هذا ديدنه حول ما يريده من إجبار اليهود على التقاط الأزبال.

وأقول: لا يشك ذو مسكة ودربة أن الآية الكريمة تدل بمنطوقها على أن اليهود يقاتلون حتى يعطوا الجزية، وبعد إعطاء الجزية يكف عنهم، ثم قيد هذه الجملة بقوله [٢]: {وهم صاغرون} والمعروف في العربية أن الحال قيد في عاملها، وصدق


(١) انظرها في الرسالة رقم (١٦٦).
(٢) [التوبة: ٢٩].
(٣) (٣/ ٣٢).