للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أدلى به وشنع من تخصيص المسلمين بهذه الرذيلة فغير محل النزاع.

ونقول له: هل أمر النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بالتقاط الأزبال؟ وهل كتب به العهود؟ وهل أمر به الصحابة والخلفاء من بعده أم كان يكتفي منهم بالجزية لا سواها؟ ولم يؤمروا برفع القمامات وإزالة الأوساخ، وقد كانت الآية نزلت ولم يفهم منها خير الخلائق، ولا أهل بيته وأصحابه ما فهمه - عافاه الله منها-، وقد جاء في كلامه بملازمة عقلية ظاهرها عدم الانفكاك حيث قال: إن إعفاء اليهود من ذلك يستلزم إلصاق هذه العارة بالمسلمين، ولا يخفى بطلان الملازمة، فإن إعفاء اليهود ممكن مع إعفاء المسلمين، والعدول إلى إيقاد الحطب أو اتخاذ ما بقي فلا [٣] ملازمة، فلا يخفى ما في كلامه من التهافت.

ثم قال: الدليل الثاني: قال الله تعالى: {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} (١) وقال: {ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا} (٢).

ونقل كلام الكشاف (٣)، لكنه لا يدل على خصوص مدعاه لا بالنص ولا بغيره.

وأقول: أول ما نورده عليه الاستفسار هل الآية إخبار من الله تعالى بإنزال العقوبة بأعداء الدين، بسبب خذلهم خلص المؤمنين، وتسلية لهم عما نالهم من أذاهم، لئلا يحزنوا ولا تجرح صدورهم؟ بأن العقوبة لاصقة بهم مكافأة على ما فعلوه بضرب الذلة التي من جملتها إعطاء الجزية والفقر والمسكنة.

قال القاضي في تفسيره: فإنك تجد أكثر اليهود فقراء ومساكين، وإذا كان إخبارًا كما هو ظاهره فلا تكليف به على أحد، بل لو وقعت تلك العقوبة من غير المسلمين لما كانوا مخلين بواجب تركوه، فكيف يقال إنه يجب إجبار اليهود على ذلك الالتقاط


(١) [البقرة: ٦١].
(٢) [آل عمران: ١١٤].
(٣) (١/ ٢٧٦ و٦١٠).