للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لتحصيل ما دلت عليه الآية! وهل كانت زمن رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- خالية على المدلول حتى اخترع في الزمن الأخير أن توقد المستحمات بالأزبال؟ إن هذا لشيء عجاب.

وإن قال: إن الآية خبر في معنى الأمر (١) فباطل بمثل ما بطل به الأول؛ لأنه لم يأمر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ولا أصحابُه، اليهودَ بالالتقاط تحصيلًا لما دلت عليه الآية، وإلا كانوا غير ممتثلين، فإن قال: هو عام لكل ذلة وهذا من الجملة فقد حصل الإخلال، وإن قال هو خاص فأين دليله من لغة أو شرع.

وقد ركب قياسًا منطقيًّا من الشكل الأول البدهي الإنتاج، لكنه مختل وقد أخذه مما استنبطه من الآية فقال: إجبارهم على الالتقاط محصل للذلة وكل محصل للذلة جائز.

فإجبارهم على الالتقاط جائز.

فيقال له أولًا: إن أردت أنا مكلفون بما دلت عليه الآية فإنه خبر في معنى الأمر، فالكبرى ممنوعة، بل يجب إبدالها بقوله: وكل محصل للذلة واجب، فينسخ أن إجبارهم على الالتقاط واجب؛ لأن الأمر للوجوب لا للجواز كما عرف في الأصول عند الجمهور، ولا يخفى أنها إن سلمت الكبرى، وهو الحتم على كل مكلف، بل ما يحصل به الذلة لليهود من مأكل، ومشرب، وملبس، ومسكن على كل حال، وفي أي زمان من كل فرد مع اختلاف الأحوال، والأشخاص، والأزمان والأمكنة، والأعراف.

ولهذه الكلية لا تنعقد لهم ذمة، ولا يتم لهم صلح، كيف وقد ثبتت مصالحتهم من سالف الأعصار في كل الأقطار، وثبتت معاملتهم لخير القرون في البيوعات وغيرها بما يطول شرحه، حتى تأجير المسلمين منهم، وقد مات خير خلق الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وسلم [٤] ودرعه مرهونة في آصع من شعير كما ثبت في الصحيح (٢).


(١) انظر الرسالة رقم (١٦٨).
(٢) البخاري في صحيحه رقم (٢٠٦٦) من حديث أنس.