للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويفرح عليهم من ملابسة [١] حشوش اليهود، والتقاط أزبالهم، ويأمر الملاعين بالنيابة عن المسلمين قلتم در هذا الناصح، وما أمحض نصيحة للمسلمين، وما أغيره على حرمات هذا الدين المتين.

وإما أن يكون الغرض والغاية تنبيه صاحب الرسالة المعترض عليها بأنه غلط في تطبيق هذه الأدلة على ذلك المدلول، وارتكب في رسالته ما يخالف المعقول والمنقول. فنقول مستفسرين لهذا الناصح، ومستور بين لزناد هذا القادح: هل هذا الغلط الذي تزعمه، والمخالفة التي تدعيها قطعيان أم ظنيان؟ لا سبيل إلى الأول لتوقف الجزم به على ما لا وجود له فيما نحن بصدده بإجماع كل ناقل.

والثاني ليس من مواطن المناصحة، لما ثبت في الحديث الصحيح (١) أن المصيب فيه والمخطئ مأجوران، فالظفر بالأجر متحقق بعد بذل الوسع؛ لأن الاجتهاد لا ثمرة له غير الظنون. فإذا كان تسليم الخطأ لا يقدح في ثبوت الأجر فكيف يلام طالب تحصيله ويناصح! ولو كان الاختلاف في الظنيات مستدعيا للمناصحة لكان كل مجتهد متعبدًا بمناصحة كل مخالف له، واللازم باطل بالإجماع، فكذا الملزوم. وإما أن يكون مراده تنبيه الواقف من سائر الناس غير السائل والمجيب، فيعود الكلام على السالف.

وإما أن يكون مراده تنبيه الجميع فيرد عليه الجميع، وإما أن يكون مراده كما قيل:

ويهتر (٢) للمعروف في طلب العلا ... لتذكر يومًا عند ليلى شمائله

فهذا شيء لا نرضاه له - عافاه الله - ولا يرضاه لنفسه.

قال: ولنقدم مقدمة تتضمن آثارًا عن صالحي السلف، قاضية بتورعهم فيما لا نص عليه نبوي إلى آخر البحث.


(١) تقدم تخريجه مرارًا.
(٢) يهتر هترًا والانهتار الولوع بالشيء والإفراط فيه كأنه أهتر أي خرف.
"لسان العرب" (١٥/ ٢٤).