أقول: ظاهر هذه العبارة أنهم يتوقفون مع فقد النص النبوي عن القضاء بالكتاب العزيز، وهو فاسد بالإجماع، ففي العبارة قصور. ثم إن هذه المقدمة إنما تصلح عنوانًا لرد الآراء المحضة، ورسالتنا مشحونة بأدلة الكتاب والسنة، مربوطة بقواعد وفوائد لا يعرف قدرها إلا المتأهلون، فكان المجيب - عافاه الله - لا يفرق بين الرواية والرأي، فإن قال: قد بين عدم انطباق هذه الأدلة على المطلوب فمع كون ذلك البيان مبنيًّا على شفا جرف هار كما ستعرفه، لا يستلزم أن يكون الخطأ في الاستدلال من قبيل الأخذ بالرأي، فإن تهافت بدعوى الملازمة، فقد عرفت من الكلام السالف سببية هذا الأمر للأجر والتورع عن طلب الأجور زهد مذموم بإجماع الجمهور، فما هذه المقدمة المبنية على أركان مهدمة! فإن قال مسالك المناظرة أربعة [٢]: الدعاء إلى الحق بالحكمة البرهانية، ثم الجدلية، ثم الخطابية، ثم الوعظية؛ وهذا نوع من المسلك الرابع قلنا: فأين المقتضى؟.
أوردها سعد وسعد مشتمل ... ما هكذا يا سعد تورد الإبل (١)
لا جرم:
فتشبهوا إن لم تكونوا منهم ... إن التشبه بالكرام فلاح
قال: هذا اعتراف بعدم النص إلخ.
أقول: الذي صرحت به في أول تلك الرسالة تصريحًا لا يلتبس على من له أدنى فهم، أني لم أقف على كلام لأحد من العلماء في إجبار اليهود على التقاط الأزبال.
وما نقلته عن العلماء في تلك الرسالة ليس عين ما نفيته، بل قواعد كلية، وجزئية نقلية، وعقلية لتصحيح الاستناد وربط الدليل بالمدلول، وما كنت أظن أن مثل هذا يلتبس على أحد فانظر - أيها الناظر - إلى هذا الاعتراض الذي افتتح به المعترض رسالته التي حمله عليها محبة النصح وأنشد في عذره: