رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وخلفائه بذلك فمخصوصية لا يستلزم عدم الأمر به، أو الإذن مطلقًا، لا سيما مع عدم الحامل على ذلك، لما تقرر من أن الناس كانوا في زمن النبوة على عادة العرب الأولى، يخرجون للتبرز حتى النساء إلى البرية، كما ثبت في الصحيح (١) من حديث عائشة، وهذا ظاهر لا سترة به، ولكن الأمر كما قيل:
وإذا كان في الأنابيب خلف ... وقع الطيش في صدور الصعاد
قال: وقد جاء في كلامه بملازمة عقلية إلخ.
أقول: قد تقرر عند علماء البيان أن اللزوم عقلي وعرفي، وهذا في مختصر التلخيص وتهذيب المنطق، اللذين هما مدرس صغار الطلبة، فما بال المعترض قيد اللزوم، الذي أطلقته في كلامي بالعقلي بغير قرينة، ورتب عليه الاعتراض الذي ليس له انتهاض، وكل ناظر يعلم أن من له أدنى تمسك لا يريد في هذا الموطن اللزوم العقلي، فترك التقييد اتكالًا على هذا الظهور، وبيان الملازمة العادية أنه لما كان بقاء الأزبال مضرًّا بأهل المدن غاية الإضرار جرت العادة بالتقاط جماعة له، فإذا لم يكونوا من الكفار لزم إعادة أن يكونوا من المسلمين؛ لعدم وقوع الالتقاط في العادة من غير نوع الإنسان، ودفع الضرر عن أهل المدن هو المقصود الأهم من ذلك، وإيقاد الحمامات به، إنما هو لإذهاب عينه، وتحصيل الأجرة للمباشرين، ثم إن المعترض جعل الواسطة القادحة في الملازمة إيقاد الحمامات بالحطب، ولا يشك عاقل أن الواسطة بين التقاط الكفار والمسلمين إما ترك الالتقاط من الجميع أو التقاط غيرهم إن فرض، لا إيقاد الحمامات فإنه قال: لازم لترك الجميع الذي هو الواسطة، فلا أزيد الناظر على إيقافه على هذه الملازمة، وما أدري على ما أغبط المعترض.
يقولون أقوالًا ولا يعرفونها ... ولو قيل هاتوا حققوا لم يحققوا
قال: أول ما نورده عليه الاستفسار إلى قوله: إن هذا لشيءٌ عجيبٌ.
(١) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (٤٧٥٠) من حديث عائشة.