للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صاغرون، إذا لا أهل مسكنة ومدقعة، إما على الحقيقة، وإما لتصاغرهم وتفاقرهم خيفة أن تضاعف عليهم الجزية انتهى، فتمام كلام الكشاف مخالف لما يريده القاضي من إنزال كل صغار بهم، وكان الواجب عليه نقله.

قوله (١) وقال (٢) في تفسير الآية الثانية (٣): والمعنى ضربت عليم الذلة في عامة الأحوال إلا في حال اعتصامهم بحبل من الله وحبل من الناس، يعني ذمة الله وذمة المسلمين، أي لا عز لهم قط إلا هذه المواحدة، وهي التجاؤهم إلى الذمة لما قبلوا من الجزية انتهى، وأول كلام جار الله لم ينقله القاضي وهو: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ} (٤).

{بحبل من الله} في محل النصب على الحال، بتقدير: إلا معتصمين، أو متمسكين، أو متلبسين بحبل من الله، وهو استثناء من أعم عام الأحوال انتهى. وبعده ما نقله القاضي.

وأقول: على تسليم أن الذلة ليست الأمر الخلقي التي أنزلها الله عليهم، فهذا الآية التي في آل عمران (٥) مقيد للآية الأولى في البقرة (٦) وإذا كانت مقيدة لتلك كما هو القاعدة أن المطلق يحمل على المقيد، فقد صاروا في كنف الإسلام وحماه وعزته، وقد اكتسبوا حرمة باعتزائهم إلى جانب الإسلام، ودخوله تحت الذمة والعهد والواقع بين المسلمين وبينهم، فيكف يجوز لنا تغيير ما مشى عليه الأولون، وأقروهم عليه من لدن معاذ بن جبل إلى الآن، ولم ينقل عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا معاذ بن جبل أنه أمر اليهود وألزمهم بالتقاط الأزبال، إنما عوهدوا على أداء الجزية.


(١) أي الشوكاني في الرسالة رقم (١٦٦).
(٢) الزمخشري في "الكشاف" (١/ ٦١٠).
(٣) من سورة آل عمران (١١٢).
(٤) [البقرة: ٦١].
(٥) من سورة آل عمران (١١٢).
(٦) [البقرة: ٦١].