للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أقول: لا ننكر أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، وأما كون هذه مقدمة ركب العزة فلا، إذ يلزم من ذلك أنه لا عزة للإسلام في البلاد الخالية عن اليهود، إذ بالضرورة أنهم يلتقطون أزبالهم هم بنفوسهم، أو يقوم بهذه الوظيفة أحدهم، فلا عزة لهم حينئذ، وقد قال ربك سبحانه وتعالى: {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا} (١) قال جار الله (٢): هذه الهمزة للإنكار المستقبل بالتجهيل والتعجب من اعتراضهم وتحكمهم، وأن يكونوا هم المدبرين من النبوة والتخير لها من يصلح لها ويقوم بها، والمتولين لقسمة رحمة الله التي لا يتولاها إلا هو بباهر قدرته وبالغ حكمته، ثم ضرب لهم مثلا فاعلم أنهم عاجزون عن تدبير خويصة أمرهم، وما يصلح في دنياهم، وأن الله - عز وعلا - هو الذي قسم لهم معيشتهم، وقدرها ودبر أحوالهم تدبير العالم بها، فلم يسو بينهم، ولكن فاوت في أسباب العيش، وغاير بين منازلهم، فجعل منم أقوياء وضعفاء، أغنياء ومحاويج، وموالي وخدما ليصرف بعضهم بعضا في حوائجهم ويستخدموهم في مهنهم، ويسخروهم في أشغالهم، حتى يتعايشوا، ويترافدوا، ويصلوا إلى منافعهم، ويحصلوا على مرافقهم، ولو وكلهم إلى أنفسهم، وولاهم تدبير أمرهم لضاعوا وهلكوا، فإذا كانوا في تدبير المعيشة الدنية في الحياة الدنيا على هذه الصفة، فما ظنك بهم في تدبير أمر الدين الذي هو رحمة الله الكبرى ورأفته العظمى؟ وهو الطريق إلى حيازة حظوظ الآخرة، والسلم إلى حلول دار السلام انتهى.

فبعد قوله الله تعالى: {ليتخذ بعضهم بعضًا سخريًا} (٣) لا مجال للكلام [١١] في


(١) [الزخرف: ٣١ - ٣٢].
(٢) أي الزمخشري: في "الكشاف" (٥/ ٤٣٨).
(٣) [الزخرف: ٣٢].