للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعلى فرض أنه يقول بذلك قائل فليس بحجة علينا، وبعد انعقاد الإجماع لا ظهور لمخالف.

قال: الدليل الثامن: ثبت تواترا أن رسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أخرج بني النضير (١) من ديارهم لما في ذلك لمصلحة للمسلمين، وقد قرن الله الخروج من الديار بقتل الأنفس، فإذا كانت مراعاة المصلحة مجوزة للإجبار لهم بمثل هذا الأمر العظيم، فكيف لا يجوز إجبارهم بما هو دونه بمراحل في إضرار المجبرين وفوقه بدرجات في الصلاح!

أقول: لا قياس: فإن قصة بني النضير في صدر الإسلام بعد قصة بدر التي عاتب الله فيها نبيه في الفدى: {ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض} (٢) الآية فقتل بني قريظ، وإجلاء بني النضير عوضا عن القتل، وقد كتب الله عليهم ذلك فقال: {وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (٣) يعني أن الله قد عزم على تطهير أرض المدينة منهم، وإراحة المسلمين من جوارهم وتوريثهم أموالهم، فلولا أنه قد كتب الجلاء، واقتضته حكمته، ودعاه إلى اختياره أنه أشق عليهم من الموت لعذبهم في الدنيا بالقتل كما فعل بإخوانهم بني قريظة، هذا كلام [١٤] جار الله (٤) فهل كتب الله على هؤلاء اليهود إخراج المزابل، والتقاط الأزبال على لسان نبيه بصريح سنته أو كتابه؟ فالقياس على قضية بني النضير خطر عظيم إذ هم في تلك الحال محاربون، قد كتب الله عليهم الجلاء، ولا يقبل منهم إلا الإسلام، فإن فعلوا؛ نجوا.


(١) تقدم ذكره.
(٢) [الأنفال: ٦٧].
(٣) [الحشر: ٣ - ٤].
(٤) أي الزمخشري في "الكشاف" (٦/ ٧٥).