للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ينكر هذا، وليس في كلامه ما ينفيه، ومراده بابتداء الكلام الذي هو قيد المجيء، واستئنافه في ذلك المثال إن لم يكن أمرًا ثابتًا قبله، بل إثبات مضمون الحال لصاحبها بعد إثبات مضمون عاملها له، وليس المراد أنه ثبت له المجيء أولًا، ثم الإسراع مثلًا ثانيًا، بل المراد تعقب إثبات الصفة من المتكلم، وفرق بين الثبوت والإثبات، ولا نزاع في مقارن الحال وعاملها في القيام بالصاحب، أو الوقوع عليه، وهذا هو المراد يقول الشيخ في آخر الكلام، وأنك لم ترد جاءني كذلك، ولكن جاءني وهو كذلك؛ لأن الثاني مشعر بثبوت هذه الصفة له، مقارنة للمجيء بخلاف الأول.

قال: فعرفت من هذا أن المعنى في قوله تعالى: {وهم صاغرون} (١) على استئناف كلام، وابتداء صغار عند إعطاء الجزية، من دون نظر إلى الدوام وعدمه، وهو ما فهمه السلف الماضون - رضي الله عنهم -.

أقول: ونحن معكم على هذا إن أردتم بقولكم من غير نظر إلى الدوام. الدوام الزائد على زمن المقيد. قولكم: عند إعطاء الجزية، قلنا: مسلم لكن على الوجه الذي سلف.

قال: وهو الذي فهمه إمام البيان والتفسير الزمخشري (٢) - رحمه الله - إلخ.

أقول: أما مجرد فهم هذا الإمام فلا يوجب رفع الجدال والخصام، وإنما الحجة روايته المستندة إلى اللغة، أو إلى من قوله حجة، فإن قلتم: إمامته وعدالته يمنعه من أن يقول في القرآن برأيه، فلكلامه حكم الرفع. قلنا اختلاف أئمة التفسير من الصحابة والتابعين وتابعيهم معلوم لكل باحث، حتى ربما انتهت الأقوال لهم في آية واحدة إلى عشرين أو ثلاثين قولًا، كل واحد منها مخالف للآخر، فإن كانت عدالة كل واحد وإمامته تمنعه من أن يقول في القرآن برأيه فلتفسيره حكم الرفع، ولزم التعبد بالجمع ولا قائل به [٣]. وربما اجتمع في بعض المواطن النقيضان، وبطلانه معلوم ضرورة، بل الذي ينبغي تعويل


(١) [التوبة: ٢٩].
(٢) في "الكشاف" (٣/ ٣٢).