تثبت، والمحل مجال اجتهاد، واجتهاد المغيرة ليس بحجة على الناس، ولا فيه ما يوجب قصر الصغار على ما ذكر، ولا نشك أن ما ذكره صغار، ولكن ما الدليل على تعينه، وعدم جواز غيره، وإن كان أشد منه في الإذلال والإهانة؟ وهذا القرآن مطلق فهل تقولون بتقييده بقول المغيرة، أو سعيد بن المسيب؟ فإن قلتم: المصير إلى تفسير السلف أرجح.
قلنا: ونحن نقول كذلك ونسلم صحة تفسير الصغار بمثل هذا، ولكن ما الدليل على قصر الصغار الصادق على كل فرد صدقًا بدليًّا إن لم يكن شموليًّا بالقرائن المقامية وغيرها عليه؟.
قال: واستدل بالآية من قال: إن أهل الذمة يتركون في بلد أهل الإسلام؛ لأن مفهومها الكف عنهم عن أدائها، ومن الكف أن لا يجلوا.
أقول: إن أراد هذا القائل ببلاد الإسلام جزيرة العرب فغير مسلم؛ لتأخر الأمر [٤] بالإخراج منها، حتى قيل: إنه آخر ما تكلم به النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - كما ثبت في الصحيح (١)، فهذا الاستنباط لا يعارض هذا المنطوق الصريح المعلوم تأخره وإن أراد ببلاد الإسلام الجزيرة وغيرها فلا يتم؛ لأن السنة تخصص نصوص القرآن، فكيف بمثل هذا! فحديث:"أخرجوا اليهود من جزيرة العرب" مخصص لهذا المفهوم، وإن أراد ببلاد الإسلام ما عدا جزيرة العرب فمسلم، ولا يحتاج في جواز التقرير في غيرها إلى دليل، وما سكت عنه الشارع ولم يدل على وجوبه العقل فهو عفو، والتقرير في غير الجزيرة من هذا القبيل، ولنا أن نعارض هذا الاستنباط ونقلبه.
فنقول: تقريرهم في بلاد الإسلام فيه نوع إعزاز، وقد أمرنا بأخذ الجزية منهم، ألا وهم في غير بلاد الإسلام، وهذا الاستنباط وإن لم يكن بذاك القوي ولكنه لا ينحط عن
(١) (منها): ما أخرجه أحمد (١/ ٢٢٢) والبخاري رقم (٣٠٥٣) ومسلم رقم (٢٠/ ١٦٣٧) عن ابن عباس قال: اشتد برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجعه يوم الخميس وأوصى عند موته بثلاث: "أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم". وقد تقدم.