للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أقول: قد حققنا في حل الإشكال أن عدم اشتراط بقاء المعنى هو الحق عند من أمعن النظر، وهو مذهب الجمهور، كما حكاه السعد. وانظروا في أدلة الفريقين؛ فإنكم ستجدون أدلة القائلين بعدم الاشتراط ضعيفة جدًّا ومزيفة بما هو أظهر من الشمس، وستجدون أدلة القائلين بعدم الاشتراط في غاية القوة والصحة، وما أجيب به عليها من مردود مزيف؛ ولهذا اقتصر المحقق ابن الإمام في الغاية (١) وشرحها على الجوابات على حجج القائلين بالاشتراط، ولما احتج للقائلين بعدمه ذكر الجوابات على أدلتهم، ولم يقتصر عليها، بل أجاب عنها واقتصر على ذلك، وإذا ثبت رجحان القول بعدم الاشتراط فالذمي معطٍ للجزية في جميع الأوقات بعد أول مرة.

والصغار لازم له في جميع تلك الأوقات، ولا يقول بأنه يجب تجديد الصغار له في كل وقت، أو استمراره بالفعل، بل نقول إلزامه لما فيه صغار في أي تلك الأوقات جائز، والاكتفاء بمجرد ما يلصق به منه حال إعطاء الجزية لم يدل عليه دليل، وصدق اسم الصغار عليه لا يبقي جواز غيره الذي هو المطلوب؛ فإن كلامنا كله ليس إلا فيما يدل على الإجبار، فعلام الدندنة حول صدق اسم الصغار على الواقع منه حال إعطاء الجزية؟ فإن التعويل عليه إنما ينفعكم في رد الوجوب لا في رد الجواز، فما ثم باعتبار سؤالكم عن دليل يدل على الإجبار ما يوجب المهاولة، والمطاولة، والمناضلة، والمصاولة، والمجادلة والمقاولة. فانظروا بعين الإنصاف؛ فإن بها يحصل الائتلاف، ويرتفع الخلاف الذي لا يشب ناره إلا ركوب [٧] مطي الاعتساف، وأنتم - بحمد الله - بريئون من ذلك، منزهون عما هناك.

قال: وأما كونهم لا ينفكون عن الصغار، والذلة بالقوة فمسلم، وأما عن الصغار والذلة بالفعل فهو معلوم الانفكاك.

أقول: هذا كلام صحيح، ونحن لا نقول بخلافه، واحتجاجنا إنما هو على منع


(١) تقدم ذكره.