للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تخصيص إلصاق الصغار بهم حال دفع الجزية، فقولكم: إن عدم الانفكاك عن الصغار والذلة بالقوة مسلم لا يوجب منع إجبارهم على هذه القضية التي هي محل النزاع؛ لأن صغارهم بعد التلبس بها لا يكون دوامه إلا بالقوة للقطع بتركهم لذلك حال النوم والأكل، والاستراحة؛ وهذا مشي معكم على مقتضى كلامكم، وإلا فتقييدكم للصغار بالقوة تارة، وبالفعل أخرى، غير مناسب؛ لأن الصغار بمعنى الذلة لا يصير بترك مباشرة الذي هو الالتقاط، أو لبس الغيار، أو ما يقع عند أخذ الجزية، أو نحو ذلك صغارًا بالقوة، بل هو صغار بالفعل؛ لأن الذلة التي هي الاستكانة والخضوع ثابتة لهم في جميع الأوقات، وإنما الذي يصح إنصافه بالقوة تارة، والفعل أخرى أسبابه لا هو.

وهذا كما يقال لمن صار للجبن له غريزة جبان، ولا يشترط في تحقيق جبنه بالفعل حدوث أسباب الجبن؛ من مقارعة الأبطال، وتقحم معارك النزال. ونزاعنا ليس إلا في تخصيص الأسباب التي يتأثر عنها هذا الأثر.

فقولنا في حل الإشكال: وإذا تقرر أن كل فرد من أفراد أهل الذمة لا ينفك عن الصغار بحكم الشرع، وأن الصغار هو الذلة والإهانة كما تقرر في اللغة (١) مقدمة لدفع التخصيص الذي ذكرناه، أما التخصيص ببعض ما فيه ذلك فظاهر؛ لأن أسباب الذلة والإهانة أعم من ذلك. وأما التخصيص بوقت دفع الجزية فلذلك، ولعدم تحقق مثل هذا الأثر عنه - أعني الذلة الداعية على الدوام - التي أشعر بها القرآن. وهب أنه يتحقق بها ذلك الأثر، فما الدليل على الاقتصار عليه؟ إن قلت ما سيأتي من أنها إجارة لا تجوز إلا برضا الأجير، فسيأتي الكلام عليه.

قال: لا ملجئ على مخالفة الظاهر، وما أطبق عليه المفسرون، وعلماء المعاني والبيان.

أقول: قد عرفت مما سلف أنه لم يذهب إلى الأخذ بظاهر التقييد أحد؛ لأن ما ذكره الزمخشري (٢). . . . . . . . . . . .


(١) انظر "القاموس" (ص ٥١٤).
(٢) في "الكشاف" (٣/ ٣٢).