للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مصلحة المسلمين، لما نالهم من الأمور التي قد اشتهرت اشتهار النهار، وقد اعترفتم بهذا في كلامكم فقلتم: يعني أن الله قد عزم على تطهير أرض المدينة منهم، وإراحة المسلمين من جوارهم، وتوريثهم أموالهم. والامتنان على المسلمين، من أعظم الأدلة على أن وجه الحكمة في الإخراج هو مصلحة المسلمين فإن كنتم توافقوننا على أن مراعاة المصلحة هي السبب في الجلاء، فالإلحاق صحيح، ولا خطر عظيم كم ذكرتم، ولا موجب للتهويل. وإن أبيتم ذلك، وناقضتم كلامكم الذي في إرسال المقال فأخبرونا عن وجه الحكمة؟، فإن قلتم لا نعلمها فقد علمها غيركم، ومن علم حجة على من لم يعلم.

وقولكم: فكيف يجوز أن يقيس المحاربين على المعاهدين، لعله من سبق القلم والصواب العكس.

قال: إن كان الأمر هنا للندب فالقصد منه الإرشاد، وأن المراد الوجوب فهو عام، وقد خصصه الشارع.

أقول: كلا، يبقى الترديد محصل للمطلوب؛ لأن السؤال إنما هو عن دليل الإجبار، وهو أعم فالأمر كما قيل:

خذا بطن هرشى أو قفاها فإنه ... كلا جانبي هرشى (١) لهن طريق

ودعوى تخصيص ذلك الأمر بالسنة نستفسركم عنه فنقول: بعد تسليمكم لدخوله تحت العموم، هل خصصت السنة هذا الأمر بعينه أو غيره؟ وهل ذلك الغير مماثل له في المهانة أو فوقه أو دونه؟ الأول: ما أظنكم تدعونه، والثاني: ممنوع، إن قلتم بالأول منه أو الثاني فعليكم الدليل، ولا ينفعكم ما ذكرتم من التسميد لما سلف. وإن قلتم بالثالث منه فلا يضرنا ولا ينفعكم، فأين الإنصاف؟


(١) هرشى: ثنية في طريق مكة قريبة من الجحفة يرى منها البحر ولها طريقان فكل من سلكهما كان مصيبًا.
وقيل: هي ثنية بين مكة والمدينة، وقيل جبل قريب من الجحفة.
"اللسان" (١٥/ ٧٦). وقد تقدم.