للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: الحديث ليس على ظاهره؛ لأنه إما أن يراد: لا يؤمن الإيمان الكامل؛ وذلك لا يضر؛ إذ الإيمان الكامل عزيز إن قال، وإما أن يراد: لا يؤمن؛ أي: لا يكون مسلمًا بل كافرًا، فالقاضي لا يقول بذلك إلخ.

أقول: قد تقرر أن الأصل في النفي [٢١] يتوجه إلى الذات، وإن أمكن، وإن لم يمكن توجه إلى الصحة التي هي أقرب إلى الذات، لا إلى الكمال، إلا لقرينة، ولو سلمنا لكم ما ذكرتم لكان كلا شقي الترديد صالحًا للاستدلال به على مطلوبنا.

أما الأول فكيف يرضى المسلم بتقرير المسلمين على ذلك، ويشح باليهود عنه، مع علمه أن إيمانه ينقص بذلك، وكيف يؤثر على طلب كمال إيمانه ما لا فائدة تحته!.

وقولكم: لا يضر إن أردتم بالضر ذهاب الإيمان بمرة فمع كون الأصل توجه النفي إليه كما تقدم، ليس الضرر مقصورًا عليه؛ فإن انتقاص الإيمان الكامل ضرر وأي ضرر.

وليس الضرر مختصًّا بموجبات العقاب؛ فإن فوات منافع كمال الإيمان الموجبة لرفع الدرجات من الضرر، وصعوبة معنى الحديث لا يكفي في التخلص عن عهدته وورطته. ولو سلم أن المعنى ما ذكره النووي (١) من أنه يجب له حصول مثل ذلك من جهة لا يزاحمه فيها، لما خرج عن الدلالة على محل النزاع؛ إذ لا مزاحمة فيه، وكلما ذكرتموه من الأقوال شاهد لدلالة الحديث على محل النزاع.

قال: لا يجوز القدح فيما أمر به النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - إلخ.

أقول: قولي في حل الإشكال (٢) قادح في جواز التقرير، أردت به ما جعلته عنوانًا


(١) في شرحه لصحيح مسلم (٢/ ١٧): "إذ معناه لا يكمل إيمان أحدكم حتى يحب لأخيه في الإسلام مثل ما يحب لنفسه والقيام بذلك يحصل بأن يحب له حصول مثل ذلك من جهة لا يزاحمه فيها بحيث لا تنقص النعمة على أخيه شيئًا من النعمة عليه وذلك سهل على القلب السليم وإنما يعسر على القلب الدغل.
(٢) انظر الرسالة رقم (١٦٦).