للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لذلك البحث من قولي: الدليل الثاني عشر ما استنبطه الأمير الحسين. . . إلى أن قلت حاكيًا لكلامهم: ولا مخصص للحجاز عن سائر البلاد إلا أن رعاية المصلحة في إخراجهم منه إلخ.

ثم قلت: ولا شك أن امتناعهم من القيام بهذه العهدة التي هي رأس المصالح قادح في جواز التقرير، قادح لأن الأمير ومن معه قد جعلوا مستند التقرير المصلحة، وهذا واضح لا إشكال فيه، فكيف يقال لا يجوز القدح فيما أمر به النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -! على أنا قد أسلفنا أحاديث الجزية مقيدة بالصغار بنص القرآن، ثم نقول: قد تعقب عقد الذمة الذي ذكرتم ما صح عنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - من قوله عند موته، وكان آخر كلامه، كما في بعض الروايات: "أخرجوا اليهود من جزيرة العرب" (١) ونحوه؛ فهو ناسخ لتقريرهم منها بالجزية، للقطع بتأخر القول عن التقرير فلا تقرير، فلا قدح، فتدبروا.

قال: قد عرفت أن حفر الخندق إنما كان للحاجة الماسة إلى ذلك، من حفظ النفس والدين معًا إلى آخر البحث.

أقول: هذا كلام رصين، لكنه - حفظه الله - جرد بالنظر إلى تفاوت المصلحتين، وجعله مانعًا من الإلحاق، ولم يمش على ذلك في إلحاقه للالتقاط بالتسميد، بل بسائر الحرف الجائزة، فليعمل بما حرره هاهنا ولينصف. وأما نحن فنقول: ليصحح ذلك الاستدلال [٢٢]، هل كان ما يتوقعه المسلمون من الكفار عند حفر الخندق من دخول المدينة، وهلاك النفوس، وهتك الحرم معلومًا لهم أم مظنونًا؟ الأول باطل لا يقول به عاقل، والثاني يوجب رجحان المصلحة التي نحن بصددها على تلك المصلحة؛ لأنها وإن نقصت عن تلك بذلك الاعتبار، فقد رفع من شأنها كونها معلومة. ثم نقول ثانيًا: أنتم لا تنكرون أنما نحن بصدده مصلحة واقعة، وتلك التي حفر الخندق من أجلها لم تقع إذ


(١) تقدم تخريجه.