ذاك، ودفع المفاسد الواقعة أرجح من دفع المفاسد التي لم تقع بالإجماع، وبما أسلفناه من أول هذه الرسالة: إلى هنا يجاب قولكم آخر البحث فهل من دليل؟.
قال: قد قدمنا لك أن نقل الأزبال إلى الأموال لا فرق بينه وبين نقلها إلى الحمام، وأنه لم يمنع من ذلك شرع ولا عرف إلخ.
أقول: قد عرفت إبطالنا لذلك فيما سلف، وأنه قياس أولًا على غير دليل، وثانيًا مع الفارق. وكيف يقال لم يمنع من الالتقاط شرع ولا عرف! وأدلة تحريم التلوث بالنجاسة لغير حاجة متواترة، ومجمع على تحريمها. فهب أن جميع الأدلة التي سردناها في إجبار اليهود كما ذكرتم، وأن ما حررناه من رد كلامكم في هذه الرسالة غير ناهض، فما العذر عن تقرير المسلمين على ذلك المنكر، الذي لم يخصه من عموم تحريم ملابسة النجاسة دليل؟ إن قلتم: نقل الأزبال إلى الأموال فنقول: إذا ذهب عن ذهنكم ما مر في أثناء هذه الرسالة فارجعوا إليه لتعلموا أنه لم يدل على ذلك سنة، ولا قرآن، ولا إجماع، ولا قياس ولا استدلال. فكيف التعلق بالقياس على مثله؟! وتخصيص الأدلة المتواترة به، وترديده في هذه الأبحاث، حتى كأنه في أم الكتاب، فما دأب المناظرة إلا المناصرة على طلب الحق لأرمي المنازع بكل هجر ومدر.
وأما قولكم: قد رددنا الاستنباطات التي سماها القاضي أدلة كما سمعت، فما هذه بأول قارورة من قوارير الإنصاف كسرت. وقد علم الله أني نظرت إلى رسالتكم بعين الإنصاف ووطنت النفس عند فض خاتمها على تنكب مزالق الاعتساف، ولو صح لي شيء من تلك الردود لصليت وسلمت. ولا أقول قد وضح الصح لذي عينين، ولا عادت إرسال المقال بخفي حنين، ولكني أكل الأمر إلى إنصافكم، فإن لاح لكم بعد التدبر الاختلال أفدتمونا. وقد نبهنا لها عمرًا وزمنًا، وإن يكن الأخرى فما في الانقياد للحق وصمة وسقوط واحد من تلك الأدلة، أو سقوط بعضها لا يستلزم سقوط جميعها.
وقولكم: هذا الذي جعله القاضي [٢٣] من فوائد منكرًا معروفًا حسب هذا التقرير. أكل الكلام عليه نظركم، وأفوضكم في جعل طرده عكسًا، فقد طال الكلام،