للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تكون استعاذته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - من سوء القضاء لغوا لا فائدة فيه. وهكذا يكون قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: "وقني شر ما قضيت". لغوا لا فائدة فيه وهكذا يكون أمره - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بالتداوي، وأن الله - سبحانه - ما أنزل من داء إلا وجعل له دواء لغوا لا فائدة فيه، ومع ثبوت الأمر بالتداوي في الصحيح (١) عنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -.

فإن قلت: فعلام تحمل ما تقدم من الآيات القاضية بأن الأجل لا يتقدم ولا يتأخر، ومن ذلك قوله - عز وجل -: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} (٢). قلت: قد أجاب (٣) عن ذلك بعض السلف وتبعه بعض الخلف، بأن هذه الآية مختصة بالأجل إذا حضر، فإنه لا يتقدم ولا يتأخر عند حضوره. ويؤيد هذا أنها مقيدة بذلك، فإنه قال: {وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا} (٤)،


(١) يشير إلى الحديث الذي أخرجه أحمد (٤/ ٢٧٨) وأبو داود رقم (٣٨٥٥) والترمذي رقم (٢٠٣٨) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وابن ماجه رقم (٣٤٣٦) وغيرهم من حديث أسامة: "قالت الأعراب: يا رسول الله: ألا نتداوى؟ قال: "نعم عباد الله تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء، إلا داء واحد " قالوا: يا رسول الله وما هو؟ قال:"الهرم".
وهو حديث صحيح.
* قال ابن القيم في "الجواب الكافي" (ص٢٧): "إن هذا المقدور قدر بأسباب ومن أسبابه الدعاء، فلم يقدر مجردا عن أسبابه، ولكن قدر بسببه، فمتى أتى العبد بالسبب وقع المقدور، ومتى لم يأت بالسبب انتفى المقدور وهكذا، كما قدر الشبع والري بالأكل والشرب، وقدر الولد بالوطء وقدر حصول الزرع بالبذر، وقدر خروج روح الحيوان بذبحه، وكذلك قدر دخول الجنة بالأعمال الحسنة ودخول النار بالأعمال السيئة. وحينئذ فالدعاء من أقوى الأسباب، فإذا قدر وقوع المدعو به بالدعاء لم يصح أن يقال لا فائدة في الدعاء، كما لا يقال لا فائدة في الأكل والشرب، وجميع الحركات والأعمال، وليس شيء من الأسباب أنفع من الدعاء، ولا أبلغ من حصول المطلوب.
(٢) [النحل:٦١].
(٣) انظر أول الرسالة.
(٤) [المنافقون: ١١].