للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

انظر إلى هذه الآية الكريمة، فإنه سبحانه أخبرهم بأنه يخلف لهم كل ما أنفقوه وجاء بهذه الكلية الشاملة، فإن قوله: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ} يفيد بعمومه المستفاد من الشرطية الكلية أن يخلف كل حقير وجليل من أنواع ما أنفقوه، ثم أكد ذلك بقوله: {مِنْ شَيْءٍ} فإنه يتناول ما يصدق عليه لفظ الشيء، وهو يصدق على الخردلة إذ لا خلاف أنها شيء بل يصدق على أقل جزء من أجزائها، ثم ذيل هذه الجملة الشرطية بقوله: {وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} (١).

فانظر إلى ما في هذه الجملة التذييلية من تطمين خواطر المنفقين وتشويقهم إلى ما يخلفه عليهم من هو خير الرازقين، فإن في ذلك ما يجذب خواطر المتقين إلى أن يكونوا من المنفقين المنتظرين لما وعدهم به خير الرازقين، فإنه كونه خير الرازقين لا يكون ما يخلفه عليهم إلا أضعاف أضعاف ما ينفقون، كما تراه في أحوال بني آدم فإن من كان منهم موصوفا بالكرم لا يكافئ إلا بالكثير الذي يكون بالنسبة إلى ما كافأ به عليه فوقه بكثير.

فكيف إذا كان ملكا من ملوك الدنيا الذي ينزعه إلى الكرم عرق، فكيف إذا كان ملك الملوك وربهم وخالقهم ورازقهم، ومع هذا الخلف الذي يخلعه على المنفقين، فلهم الجزاء الأخروي بما أنفقوا الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف، كما وعد به الرب سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} (٢).

وقد ورد في السنة المطهرة الترغيب في الإنفاق بالأحاديث الكثيرة الصحيحة منها ما في .......................................


(١) [سبأ: ٣٩].
قال صاحب "الدر المصون" (٩/ ١٩٦): قوله: (الرَّازِقِينَ) إنما جمع من حيث الصورة لأن الإنسان يرزق عياله من رزق الله، والرازق في الحقيقة للجميع إنما هو الله تعالى.
(٢) [الزلزلة: ٧ - ٨].