للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من قرب: أنا الملك الديان لا ينبغي لأحد من أهل الجنة ولا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار ولأحد من أهل الجنة قبله مظلمة حتى أقضيه منه".

قوله: "وكلكم فقير إلا من أغنيت فسلوني أعطكم".

في هذا إرشاد للعباد إلى التوكل (١) على ربهم في أرزاقهم، وأن جميعهم فقراء إلا من


(١) قال ابن تيمية في "شرح حديث:" يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي" ص٦٢، وأما قوله: "يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته ... " يقتضي أصلين عظيمين:
أحدهما: وجوب التوكل على الله في الرزق المتضمن جلب المنفعة كالطعام ودفع المضرة كاللباس، وأنه لا يقدر غير الله على الإطعام والكسوة قدرة مطلقة، وإنما القدرة التي تحصل لبعض العباد تكون على بعض أسباب ذلك ولهذا قال سبحانه: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [البقرة: ٢٣٣].
وقال: (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ) [النساء: ٥].
فالمأمور به هو المقدور للعباد وكذلك قوله: (أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ، َتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ، أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ) [البلد: ١٤، ١٥، ١٦].
وقوله: (وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ) [الحج: ٣٦] ... فذم من يترك المأمور به اكتفاء بما يجري به القدر، ومن هنا يعرف أن السبب المأمور به أو المباح لا ينافي وجوب التوكل على الله في وجود السبب بل الحاجة والفقر إلى الله ثابتة مع فعل السبب إذ ليس في المخلوقات ما هو وحده سبب تام لحصول المطلوب، ولهذا لا يجب أن تقترن الحوادث بما قد يجعل سببا إلا بمشيئة الله تعالى فإنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن فمن ظن الاستغناء بالسبب عن التوكل فقد ترك ما أوجب الله عليه من التوكل، وأخل بواجب التوحيد، ولهذا يخذل أمثال هؤلاء إذا اعتمدوا على الأسباب فمن رجا نصرا أو رزقا من غير الله خذله الله كما قال علي رضي الله عنه: لا يرجون عبد إلا ربه ولا يخافن إلا ذنبه وقد قال تعالى: (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [فاطر: ٢]. وهذا كما أن من أخذ في التوكل تاركا لما أمر به من الأسباب فهو أيضًا جاهل ظالم، عاص لله يترك ما أمره، فإن المأمور به عبادة لله وقد قال تعالى: (فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ) [هود: ١٢٣].
وقال تعالى: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) [الفاتحة: ٥].