للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أرفع من رتبة الجواز؟ لأن الاستثناء من قوله: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ} (١) يدل على أن جهر المظلوم بالسوء الذي وقع عليه محبوب لله، وإذا كان محبوبا لله كان فعله من فاعله يختص بمزية زائدة على الجواز، ورتبة أرفع منه، وهذا على تقدير أن الاستثناء متصل، حتى يثبت للمستثنى ما نفي عن المستثنى منه (٢).

وأما إذا كان منقطعا فلا دلالة في الآية على أنه مما يحبه الله، بل لا يدل على [سوء] (٣) جوازه، لكن على تقرير الاتصال؛ هاهنا مانع من أن يكون لذكر المظلوم لظالمه بالسوء رتبة زائدة على رتبة الجواز، وهو أن الله - سبحانه - قد رغب عباده في


(١) [النساء: ١٤٨].
(٢) قال الطبري في "جامع البيان" (٤\جـ٦/ ٤) فالصواب في تأويل ذلك:" لا يحب الله أيها الناس أن يجهر أحد لأحد بالسوء من القول (إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) بمعنى: إلا من ظلم فلا حرج عليه أن يخبر بما أسيء إليه ... وإذا كان ذلك معناه: دخل فيه إخبار من لم يقر أو أسيء قراه، أو نيل بظلم في نفسه أو ماله عنوة من سائر الناس، وكذلك دعاءه على من ناله بظلم أن ينصره الله عليه. لأن في دعائه عليه إعلاما منه لمن سمع دعاءه بالسوء له، وإذا كان ذلك كذلك، "فمن" في موضع نصب، لأنه منقطع عما قبله. وأنه لا أسماء قبله يستثنى منها فهو نظير قوله: (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ).
وقال الرازي في تفسيره (١١/ ٩٠ - ٩١): أن هذا الاستثناء منقطع والمعنى لا يحب الله الجهر بالسوء من القول. لكن المظلوم له أن يجهر بظلامته.
وللمظلوم أمور منها:
١ - قال قتادة وابن عباس: لا يحب الله رفع الصوت بما يسوء غيره إلا المظلوم فإن له أن يرفع صوته بالدعاء على من ظلمه.
٢ - قال مجاهد: إلا أن يخبر بظلم ظالمه له.
٣ - لا يجوز إظهار الأحوال المستورة المكتومة، لأن ذلك يصير سببا لوقوع الناس في الغيبة ووقوع ذلك الإنسان في الريبة لكن من ظلم فيجوز إظهار ظلمه بأن يذكر أنه سرق أو غصب وهذا قول الأصم.
٤ - قال الحسن: إلا أن ينتصر من ظالمه.
(٣) في (ب) سواء