للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والثاني: دليل تحريم التلقيب.

فإن كان ذكر ذي اللقب بلقبه في غيبته، كان الذاكر جامعا بين تحريم الغيبة، وتحريم التلقيب، وإن كان ذكر ذي اللقب في وجهه كان الذاكر واقعا في التلقيب [المحرم] (١).

فإن قلت: إذا علمنا أن المذكور بلقبه لا يكره ذكره به.

قلت: إذا علمنا ذلك لم يكن غيبة محرمة؛ لأن الغيبة هي ذكرك أخاك بما يكره، ولكن الذاكر له بذلك اللقب واقع في مخالفة النهي القرآني المصرح بالنهي عن التنابز بالألقاب كما لا يخفى.

فإن قلت: إذا كان [٦ب] ذكره باللقب أقرب إلى تعريفه، كمن يشتهر بالأعرج والأعمش والأعور، ونحو ذلك.

قلت: هذه الأقربية لا تحلل ما حرمه الله، فينبغي ذكره [بالأوصاف] (٢) التي لا تلقيب فيها، وإن طالت المسافة وبعدت، وانظر ما في مثل هذا من الخطر العظيم، وهو الوقوع في النهي القرآني، ومما يزيدك [عن] (٣) هذا وأمثاله بعدا قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لمن سمعها تذكر امرأة أخرى بأنها قصيرة فقال: " لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته " (٤) والحديث صحيح.


(١) زيادة من (أ).
(٢) في (ب): بأوصافه.
(٣) في (ب): على.
(٤) أخرجه أبو داود رقم (٤٨٧٥) والترمذي رقم (٢٥٠٣) وأحمد (٦/ ١٨٩) من طريق أبي حذيفة عن عائشة. قال الترمذي حديث حسن صحيح.
وهو حديث صحيح.
قال الحافظ في " الفتح " (١٠/ ٤٦٨ - ٤٦٩) أن اللقب إن كان مما يعحب الملقب ولا إطراء فيه مما يدخل في نهي الشرع، فهو جائز أو مستحب، وإن كان مما لا يعجبه فهو حرام أو مكروه، إلا إن تعين طريقا إلى التعريف به حيث يشتهر به ولا يتميز عن غيره إلا بذكره.
ومن ثم أكثر الرواة من ذكر الأعمش والأعرج ونحوهما، وعارم وغندر وغيرهم، والأصل فيه قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ركعتين من صلاة الظهر فقال: أكما يقول ذو اليدين. . . وساق بعض ألفاظ الرواية.
ثم قال ابن حجر: وكأن البخاري لمح بذلك حيث ذكر قصة ذي اليدين وفيها: " وفي القوم رجل في يديه طول. قال ابن المنير: أشار البخاري إلى أن ذكر مثل هذا إن كان للبيان والتمييز فهو جائز، وإن كان للتنقيص لم يجز. قال: وجاء في بعض الحديث عن عائشة في المرأة التي دخلت عليها فأشارت بيدها أنها قصيرة. فقال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " اغتبتها " وذلك أنها لم تفعل هذا بيانا، وإنما قصدت الإخبار عن صفتها، فكان كالاغتياب ".