للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والإكرام؛ فإن المحرم على ما يدعونه إنما هو قصد التعظيم لا القيام (١).

قوله: وقد شهد بهذا الحديث حديث مسلم (٢).

أقول: هاهنا صورتان: القيام على رأس القاعد كما هو فعل الأعاجم، والثانية قيام الرجل عند وصول أخيه تعظيما له وإكراما، أو محبة أو فرحا، أو لغير ذلك من الأسباب، وحديث مسلم إنما دل على منع الصورة الأولى، مقتضى تفسيره القيام الذي وقع النهي عن مثله بالجملة الحالية أعني: " وهم قعود "، والصورتان متباينتان قبل الحمل الذي ذكرناه آنفا، فكيف يكون دليل الصورة الأولى شاهدا لحديث أبي أمامة؟! وإنما يكون الشاهد مجبورا به ضعف الحديث حدثا كان الشاهد نصا أو ظاهرا فيما دل عليه ذلك الضعيف، وبهذا يعرف أن الاستشهاد بحديث مسلم على حديث أبي أمامة بعيد، وأبعد منه الاستشهاد عليه بحديث: " من سره أن يتمثل الناس. . " إلخ (٣).

قوله: الوعيد على المسرة بالفعل قاض بعدم جوازه. هذا أكبر دليل على تحرير مولاي العزي - حفظه الله تعالى - لهذا البحث مع عجله أو شغله، مصدية للذهن؛ فإن المسرة فعل قلبي، والقيام فعل آخر مغاير لها، وأي مانع من تحريم أحدهما وجواز الآخر ولو كان من فاعل واحد، يزيده وضوحا أن فعل الطاعة مطلوب للشارع، والعجب بها محرم منهي عنه، وهو مرة بحصول أمر بصحتها تطاول على من لم تحصل له، فهل ورود الوعيد عليه يقضي بعدم جواز فعل الطاعة، مع كون الفاعل واحدا! فكيف مع تعدده كما نحن فيه! إذا عرفت هذا عرفت أن إطلاق قوله: إذ المسرة بالجائز جائزة، ليس على ما ينبغي؛ إذ لا يجوز من المسرة إلا ما لم يمنعه الشارع، وأما ما منعه منها فلا يجوز ولو كانت مباحا أو مشروعا.


(١) انظر " المفهم " للقرطبي (٣/ ٥٩٣).
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) انظر: فتح الباري " (١١/ ٥١ - ٥٢) وقد تقدم توضيحه.