للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما قول القائل: أنا سيد بني فلان، وأنت سيد أهل الوبر، أو فلان سيد القبيلة، فمعناه على هذا الاستعمال هو المتقدم عليهم، فمعنى قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أنا سيد ولد آدم " (١) أي: المتقدم عليهم، فكيف يصح القول: " أنت سيدنا " حملا على قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعدم الجامع. ولو كان الجامع بينهما لما نهى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عنه الوفد الوافد، فأين الحديث حجة لكم؟

واعلم أنا لا نمنع إطلاق لفظ السيد على الله وعلى غيره، حيث ثبت أنه يستعمل لمعان متعددة، لكنا نمنع إطلاقه عليه تعالى إذا أريد به معنى الزوج والخادم ونحوهما مما يجب تنزيهه تعالى عن مثله؛ ولذا ذهبت طائفة من المتكلمين إلى منع ذلك مطلقا حيث كان مشتركا ولم تقم قرينة مطردة دالة على معنى مناسب له تعالى.

ونحن لم نتبع تلك الطائفة، وقلنا بالجواز مع شرط إرادة معنى لائق به؛ لإطلاقه على لسان نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونمنع إطلاقه في المكاتبات والمخاطبات قطعا؛ لأنه لا يراد في هذه المواضع إلا المالك، والمؤيد نهي الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للوفد وإباحته للعبيد، فكان ذلك مخصوصا عن العام، فإنا مجوزون في غير ذلك المقام بالكتاب والسنة، فالمخصص له حديث عبد الله بن الشخير، وحديث أنس، وإجماع القرون الثلاثة، وأنه من أمور الجاهلية كما سبق، وأنه بدعة قبيحة، ولقوله تعالى: {لَا تَغْلُوا في دِينِكُمْ} (٢).

وهذا أبلغ غلو؛ لأنه يجعل المخلوق مثله مالكا له، وهو شأن الباري تعالى فإنه مالك الرقاب من غير شراء، ولقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إياكم والغلو؛ فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو " (٣)، ولقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " هلك المتنطعون. . . ثلاثا " (٤) وغيرها من الأحاديث. فهذه تسعة حجج مخصصة للعموم المستفاد مما ذكر العلامة وغيره ونحوه، ولا يمكن أن يراد


(١) تقدم تخريجه.
(٢) [النساء: ١٧١، المائدة ٧٧].
(٣) تقدم تخريجه.
(٤) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (٧/ ٢٦٧٠) من حديث عبد الله بن مسعود.