للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عند الإطلاق في تلك المواضع معنى صالحا كالرئيس ونحو؛ لأنه مهجور شرعا فلا يسع إلا تركه فيها، وأما إذا قال: من فلان إلى السيد الشريف، أو: يا سيد بني فلان، أو: يا سيد أئت - من غير إضافة - فلا بأس به. . .

قوله: كما يقول القائل: أنت الرجل علما. قد أسلفنا أن القياس مع الفارق باطل (١) وهنا كذلك، بل هنا أبطل؛ لعدم تعين ما شرحه العلامة من قصد القوم الوافد، مع قيام القرينة بأنهم أرادوا المالك الذي كانوا يقصدون ذلك عند الإطلاق لآلهتهم، ونهي الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لذلك، وأباح للعبيد لوجود الملك مجازا، ولعدم صدور مثل ذلك عن الرسول [٣]، فإنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما قال: الله سيادة، وما قال القوم أيضا: " أنت نبي أو رسول سيادة " حتى يقال: أرادوا هذا المعنى، أو أراد الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هذا المعنى، بل (للأمة) في قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للحصة المشخصة في الخارج التي هي في الأصل في وضعها، كما حقق ذلك صدر الشريعة بيانه أنهم لما قالوا: " أنت سيدنا " وأرادوا المعنى الذي عهد عندهم وهو المالك، قال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " السيد " أي: الذي قلتم لي هو الله - سبحانه وتعالى - لا غير، فاعتبر الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أيضًا هذا المعنى في مثل هذا المقام؛ ولذا لم يبح إلا للعبيد، فكان ذلك معناه في مثل هذا الموضع لغة وشرعا، وعرف بقرينة الإنكار وعدم الإباحة، وعدم الاستعمال في القرون المحمودة، وحدوث ذلك في الأزمنة التي عادت فيها الجاهلية أنه لا يجوز الإطلاق في مثل هذا المقام ولو بإرداة معنى آخر، ولله الحمد، وقد كشفنا الغطاء في التبيان، فأين أرباب الجنان المشتاقون للقاء الرحمن (٢)؟

قوله: ولهذا كانت هذه العلوم. وقد ذهل العلامة عن خصلة أخرى هي أحرى بكونها ملاك الاجتهاد، وترى أصحاب الفن قاطبة ضموها مع الشرائط، وهي ملكة الاستنباط،


(١) انظر " إرشاد الفحول " (ص ٦٥٦)، " البحر المحيط " (٥/ ٦) و" شروط القياس " (ص ٦٧٨) وما بعدها، " اللمع " (ص ٥٧)، " تيسير التحرير " (٣/ ٢٧٦).
(٢) سيأتي رد الشوكاني على ذلك.