وأما مجرد ترك شيء غاية أمره، ومبلغ وصفه أن يكون سنة غير واجبة، بل مندوبا، بل في صدق أحد هذين المفهومين عليه إشكال قد قدمنا تقريره، فكيف يكون من ترك هذا المسنون، أو المندوب، أو الذي لا يصلح لكونه مسنونا أو مندوبا كافرا! وكيف يجري بمثل هذا قلم، أو ينطق به فم وإن لم يرد هذا المعنى، بل أراد أن من لم يكتب [٦] في عنوان كتابه من فلان بن فلان إلى فلان بن فلان، بل كتب سيدي ونحوه قد فعل خصلة من خصال الجاهلية، وتلبس بها، ولم يكفر ولا فسق فهو غير صحيح، فإن هذه الخصلة - أعني قول الناس في مكاتباتهم: سيدي ونحوه - لم يكن من خصال الجاهلية، ولا كانت الجاهلية تفعلها في المكاتبة، فكيف يقال أن هذا من شعائر الجاهلية!.
نعم قد كانوا يقولون لفرد من أفرادهم السيد وسيدنا حسبما يوجد في كلامهم المنثور والمنظوم، وهذه بمجردها قد قالها الشارع، واستعملها غير مرة، فهي من هذه الحيثية خصلة إسلامية محمدية، فقد سوغ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إطلاقها فجاز لنا استعمالها في المخاطبة والمكاتبة، ومن ادعى أنه يجوز استعمالها في البعض دون البعض فهو محتاج إلى الدليل.
وهكذا من زعم أنه يراد بلفظ السيد وسيدي في اصطلاح المتأخرين غير ما يريده المتقدمون فهو أيضًا محتاج إلى دليل كما سيأتيك بيانه.
نعم ظهر من آخر كلام المعترض - عافاه الله - في هذا الاعتراض أنه يريد الجاهلية التي حدثت من عباد القبور المعتقدين في الأموات اعتقادا يخرجون به عن الإسلام، كما كان يقع كثيرا من أهل القطر التهامي، وبعض القطر اليمني، بل ويقع في كثير من البلاد الإسلامية.
ولكن إذا قد تقرر أن الشيء مباح في الشريعة المطهرة فلا يصير باستعمال بعض الطوائف الكفرية له حراما أو مكروها. .
قوله: فيه إيهام باستصغار المعصية. .
أقول: هذا إنما يتم بعد تسليم أن ذلك معصية كبيرة أو صغيرة، وذلك غير مسلم،