للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من هو من أهل العلم، وفي عداد حملته أن لفظا من لغة العرب قرره الشرع يحرم استعماله ويوجب ضلال قائله لمجرد دعوى أن المستعمل يريد به معنى هو في الحقيقة لم يرده، ولا خطر بباله! فعلى المعترض - عافاه الله - أن يرجع إلى الإنصاف، فهو أولى من التمادي في الباطل، فإنه ما تم له دفع ما ذكرناه من الأدلة إلا بزعمه أن المستعملين [٩] للفظ السيد يريدون منه في المكاتبة والمخاطبة معنى المالك، ولولا هذا الزعم الفاسد لم يتمكن من دفع شيء من الأدلة.

وها نحن نقول له: هؤلاء الذين يتكاتبون ويتخاطبون بهذا اللفظ هم على ظهر البسيطة، فعليك أن تسأل من كان منهم يفهم ما يقول وما يقال له: هل يريدون بلفظ السيد وسيدي هو المالك كما قلته أنت أولا يريدون ذلك؟ فإن أبيت فانظر إلى كتبهم التي يتكاتبون بها في هذه الديار، فإنك تجدهم يجمعون بين لفظ سيدي ومالكي في غالبها، وهذا من أعظم الأدلة، على أنهم لا يريدون بلفظ السيد معنى المالك. وعند هذا تعرف أنه لم يندفع بما قاله شيء من الأدلة التي ذكرناها. . .

قوله: فهذه تسع حجج مخصصة للعموم المستفاد مما ذكره. . .

أقول: أما حديث عبد الله بن الشخير، وما ورد في معناه فقد عرفت في البحث الذي حررناه أنهم أرادوا بلفظ السيد معنى لا يجوز إطلاقه على البشر، وذلك هو سبب النهي (١). وأما كونه من أمور الجاهلية، وكونه بدعة فقد عرفت اندفاعهما مما أسلفنا في هذا الجواب.

وأما الاستلال بقوله تعالى: {لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} (٢) فلا نسلم أن هذا من الغلو في الدين، ولا يندرج تحت معنى الآية، على أنه لو سلمنا تنزلا اندراجه لم يصح استدلال المعترض - عافاه الله - بهذه الآية، لأنها أعم مطلقا من الأدلة الدالة على جواز إطلاق


(١) تقدم ذكره
(٢) [النساء: ١٧١، المائدة: ٧٧]