للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السيد وسيدي على البشر، ولا يسوغ عند علماء المعقول والمنقول تقديم العام على الخاص، بل الخاص مقدم على العام بالاتفاق.

فنقول: هذا اللفظ أعني: لفظ السيد ونحوه قد استعمله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكان مخصصا لما هو أعم منه مطلقا بلا شك ولا شبهة. والمعترض يسلم هذا العموم والخصوص، فإنه يزعم أن الآية المذكورة تشمل هذا اللفظ وغيره، فكيف جعلها مقدمة على ما هو أخص منها مطلقا! فإن هذه لا يطابق عمل أهل الأصول، ولا صنيع علماء المعقول، ولعله لا يخفى عليه مثل هذا، ومثل هذا قوله: "هلك المتنطعون" (١). .

قوله: وأما إذا قال: من فلان إلى السيد الشريف، أو يا سيد بني فلان، أو يا سيد ائت من غير إضافة فلا بأس به.

أقول: قد قرب لنا - المعترض عافاه الله - المسافة، وقلل الاختلاف، وأشار إلى الوفاق. وبيانه أنه لم يبق منه خلاف إلا في إطلاق السيد مضافًا [١٠] نحو سيدي أو سيدنا، ولم يمنع من كل مضاف، بل خصص ذلك بالمضاف إلى الضمير فقط، ولهذا جوز سيد بني فلان لكونه مضافًا إلى غير الضمير، وحينئذ فالمنع عنده إنما هو من لفظ سيد إذا كان مضافًا إلى الضمير، معللا ذلك بأنه يراد به المالك كما سلف. وقد عرفناك أن ذلك غلط منه على من يتكاتب أو يتخاطب بذلك، ومعلوم أنه إذا أنصف عرف صحة ما ذكرناه من أنهم لا يريدون ذلك المعنى، وإذا ذهب هذا الوهم جاز عنده وعندنا إطلاق لفظ سيدي وسيدنا، لأنه لا يراد عند التكاتب والتخاطب إلا إثبات الرئاسة حقيقة أو ادعاء، ولم يبق حينئذ بيننا وبينه خلاف إن رجع إلى الإنصاف.

ثم اعلم أنه هاهنا قد جوز إطلاق السيد إذا قامت قرينة على أنه يراد به البشر، كما قال بأنه يجوز أن يقال إلى السيد الشريف، وهذا فيه موافقة لنا أيضا؛ فإنا ذكرنا في تأويل قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " السيد الله" أنه عرف من مقصدهم أن السيد عندهم هو الله،


(١) تقدم تخريجه. وهو حديث صحيح