للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهكذا في الأشياء التي هي منكرات مجمع على تحريمها كالزنا، والسرقة، وشرب المسكرات، إذا وقع بعض الرعية في شيء منها، كانت العقوبة من العامل على ذلك أن يأخذ شيئا من مال من فعل ذلك، بل وقوع [٤أ] الرعايا في هذه المعاصي هو أحب الأشياء إلى العامل؛ لأنه يفتح له عند ذلك باب أخذ الأموال.

ويتكاثر عنده السحت، ويتوفر له المقبوض، فانظر أي فاقرة في الدين كانت ولاية مثل هذا العامل! وأي بلاء صب على دين الله، رجل لا يأمر بفعل ما أوجب الله، ولا ينهى عن فعل ما حرم الله، بل يود ذلك ويفرح به لينال حظا من السحت، ويصل إلى شيء من الحرام.

فهل أقلت الأرض، أو أظلت السماء أفسد لدين الله، وأجرا على معاصيه منه؟! وهل مشى على رجلين أخسر صفقة منه، وأخبث سعياً؟! وناهيك برجل لو كفر من تحت ولايته من الرعايا كفر فرعون، لكان يرضيه من ذلك نزر حقير من السحت، بل ذلك أحب إليه من صلاح الرعايا وتمسكهم بدين الإسلام، وقبولهم الشريعة، لأنه لا ينفق سوق ظلمه، ويدر عليه ثدي سحته، إلا بوقوع الرعايا في مخالفة الشرع، وخروجهم عن سبيل الرشاد.

وقد ينضم إلى هذه المخازي منه والفضائح له، أن يرابي على رؤوس الأشهاد ربا مجمعا على تحريمه [٤ب]، ويستصحب معه جماعة من المعاملين بالربا، فيأخذ منهم عند الحاجة بزيادة من الربا ويضعها على الرعية ويسلط هؤلاء العاملين بالربا على الضعفاء.

وهل أقبح من هذا الذنب وأشد منه؟! فإنه الذنب الذي توعد الله عليه بالحرب لفاعله منه كما في كتابه العزيز (١)، وليس الحرب من الله نزول الحجارة من السماء، بل تسليط


(١) يشير إلى قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ) [البقرة: ٢٧٨ - ٢٧٩]