وأصل ما يبني عليه قاعدة أمره في اختيار أعوانه وكفاته: أن يختبر أهل مملكته، ويسير لجميع حاشيته، يتصفح عقولهم وآرائهم، ومعرفته همهم وأخلاقهم حتى يعرف باطن سرائرهم وما يلائم كامن شيمهم، فإنه سيجد طباعهم مختلفة، وهمهم متباينة ومنتهم متفاضلة. * فلا يعطي أحدهم منزلة لا يستحقها لنقص أو خلل، ولا يستكفيه أمر ولايته ولا ينهض بها، لعجز أو فشل، فإنهم آلات الملك، فإذا اختلت كان تأثيرها مختلا وفعلها معتلا. وقد قيل: من استعان بأصاغر رجاله على أكابر أعماله فقد ضيع العمل وأوقع الخلل. وقيل: من استوزر غير كفء، خاطر بملكه، ومن استشار غير أمين أعان على هلكه ومن أسر إلى غير ثقة ضيع سره، ومن استعان بغير مستقل أفسد أمره ومن ضيع عاقلا دل على ضعف عقله، ومن اصطنع جاهلا أعرب عن فرط جهله. انظر: " تسهيل النظر وتعجيل الظفر "الماوردي (ص ١٩٤ - ١٩٥). وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته". أخرجه البخاري رقم (٢٢٧٨، ٢٤١٦) ومسلم رقم (١٨٢٩). قال البغوي في "شرح السنة" (١٠/ ٦٢): معنى الراعي: الحافظ المؤتمن على ما يليه، أمرهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالنصيحة فيما يلونه، وحذرهم الخيانة فيه بأخباره أنهم مسؤولون عنه. فالرعاية: حفظ الشيء، وحسن التعهد، فقد استوى هؤلاء في الاسم ولكن معانيهم مختلفة، رعاية الإمام، وولاية أمر الرعية والحياطة من ورائهم، وإقامة الحدود والأحكام فيهم، ورعاية الرجل أهله بالقيام عليهم بالحق في النفقة وحسن العشرة ورعاية المرأة في بيت زوجها بحسن التدبير في أمر بيته والتعهد لخدمة أضيافه، ورعاية الخادم حفظ ما في يده من مال سيده والقيام بشغله. وكتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري: " إن أسعد الرعاة من سعدت به رعيته، وأشقاهم في الدارين من شقوا به " وإنك وإن ترتع عمالك فيكون مثلك مثل البهيمة، رأت أرضا خضرة ونباتا حسنا فرتعت تلتمس السمن، وإنما حتفها في سمنها". انظر: "الخراج" لأبي يوسف (ص١٧)، "عيون الأخبار" (١/ ١١)