للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلوبا، وأرق أفئدة "، وفي لفظ لمسلم (١) " جاء أهل اليمن، هم أضعف قلوبا، وأرق أفئدة، الفقه يمان، والحكمة يمانية ".

وأخرج البخاري (٢) ومسلم (٣) وغيرهما (٤) من حديث [٢ب] ابن مسعود أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قال: " الإيمان هاهنا " وأشار بيده إلى اليمن. . - الحديث -.

وهذه الألفاظ الثابتة في الصحيحين وغيرهما قد اشتملت على مناقب عظيمة، وفضائل كريمة.

الأولى منها: أنه أثبت لهم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - رقة الأفئدة، ولين القلوب، وهذه منقبة عظيمة، لأن هذا الوصف هو شأن أهل الإيمان، ولهذا جعل - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - القسوة، وغلظ القلوب في الفدادين عند أصول أذناب الإبل، حيث يطلع قرن الشيطان في ربيعة ومضر، هكذا في الصحيحين (٥)، ولفظ (٦) لهما أنه قال بعد قوله: " الإيمان يمان، والحكمة يمانية، ورأس الكفر قبل المشرق"، فرقة الفؤاد، ولين القلب، وصفان ملازمان للإيمان القوي والدين السوي (٧).


(١) في صحيحه رقم (٨٤/ ٥٢)
(٢) في صحيحه رقم (٣٣٠٢)
(٣) في صحيحه رقم (٥١)
(٤) كأحمد (٢/ ٥٤١)
(٥) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (٣٣٠٢) ومسلم رقم (٨١/ ٥١)
(٦) البخاري في صحيحه رقم (٣٣٠١) ومسلم في صحيحه رقم (٩٠/ ٥٢)
(٧) قال الخطابي: قوله " هم أرق أفئدة وألين قلوبا " أي لأن الفؤاد غشاء القلب، فإذا رق نفذ القول وخلص إلى ما وراءه، وإذا غلظ بعد وصوله إلى داخل، وإذا كان القلب لينا علق كل ما يصادفه "فتح الباري" (٨/ ١٠٠)، قال النووي في شرحه لصحيح مسلم (٢/ ٣٣ - ٣٤): قال الشيخ وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ألين قلوبا وأرق أفئدة المشهور أن الفؤاد هو القلب فعلى هذا يكون كرر لفظ القلب وهو أولى من تكريره بلفظ واحد وقيل الفؤاد غير القلب وهو عين القلب وقيل باطن القلب وقيل غشاء، وأما وصفها باللين والرقة والضعف فمعناه أنها ذات خشية واستكانة سريعة الاستجابة والتأثر بقوارع التذكير سالمة من الغلظ والشدة والقسوة التي وصف بها قلوب الآخرين.
وقال القاضي عياض في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (١/ ٣٠١): وقد يكون الإشارة بلين القلب إلى خفض الجناح، ولين الجانب، والانقياد والاستسلام وترك الغلو، وهذه صفة الظاهر، والإشارة برقة الأفئدة إلى الشفقة على الخلق والعطف عليهم والنصح لهم، وهذه صفة الباطن وكأنه أشار إلى أنهم أحسن أخلاقا ظاهرا وباطنا.
* الفدادين: الذين تعلو أصواتهم في حروثهم ومواشيهم، واحدهم: فداد يقال: فد الرجل يفد فديدا إذا اشتد صوته.
وقيل: هم المكثرون من الإبل.
وقيل: هم الجمالون والبقارون والحمارون والرعيان.
"النهاية" (٣/ ٤١٩)