للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يتفاوت، فمن الناس من يكون إيمانه كالجبال الرواسي التي لا يحركها شيء، ولا يتزلزل بالشبه وإن بلغت أي مبلغ، ومن الناس من يكون إيمانه دون ذلك، وقد جاءت الأدلة الصحيحة قاضية بأن الإيمان يزيد وينقص، فلله هذه المنقبة التي تتقاصر الأذهان عن تصور كنهها، وبلوغ غايتها.

وبالجملة فالإيمان هو رأس مال كل من يدين بهذا الدين، فإذا فاقوا فيه غيرهم فقد ظفروا بالخير أجمع، ونالوا الغاية التي ليس وراءها غاية، والمنقبة التي تتقاصر عندها كل منقبة.

الثالثة منها: قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: "والحكمة يمانية" ففي هذا إثبات الحكمة (١) لهم على طريقة المبالغة، وأن لهم فيها الحظ الذي لا يدانيه حظ، والنصيب الذي لا يساويه نصيب.

والحكمة هي: العلم بالله وبشرائعه، والفهم لحججه، وكل ما يتعلق بذلك من العلوم العقلية والنقلية، فقد أثبت لهم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - العلم على وجه لا يلحق بهم غيرهم فيه، ومن جمع الله له بين الإيمان على الوجه الأكمل، والعلم على الوصف الأتم فقد ظفر بالسعادة العاجلة والآجلة، ونال الخير السابق واللاحق على أبلغ


(١) الحكمة عند العرب: ما منع من الجهل والجفاء، والحكيم: من منعه عقله وحلمه من الجهل، حكاه ابن عرفة، وهو مأخوذ من حكمة الدابة، وهي الحديدة التي في اللجام، سحبت بذلك لأنها تمنعها، وهذه الأحرف: ح ك م حيثما تصرفت، فيها معنى المنع قال الشاعر - جرير -:
أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم ... إني خشيت عليكم أن أغضبا
وقيل: في قوله تعالى: (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ) [البقرة: ٢٦٩]: أنها الإصابة في القول والفهم، قال مالك: الحكمة: الفقه في الدين.
انظر: "المفهم" (١/ ٢٣٨)