ومن ذلك جفأ الوادي يجفُو بالواو وجفَأ [١٠أ] بالهمزة فإنّ فيهما معنى الجفا لارتفاعهما، يقال جفا الشيءُ يجفو وجفأ الوادي يجفأ ولكنهم استعملوا الهمزة في الوادي لقوة دفْعِه.
ومن ذلك سِعِدَ وصَعِدَ فالصاد لما كانت أقوى لِما سلف من كونها من حروف الاستعلاء جعلوها لِما فيه أثَرٌ مشاهَدٌ يُرى وهو الصعود في الجبل والحائط ونحوِ ذلك وجعلوا السين لما فيها من الضَّعف لما لا يظهر ولا يشاهد حِسًّا إلاَّ أنه مع ذلك فيه صُعودُ الجَدِّ لا صعودُ الجسْمِ، ألاَّ تراهم يقولون هو سعيدٌ وهو عالي الجَدِّ، وقد ارتفع أمرُه وعلا قدره. (١)
ومن ذلك قولهم سَدَّ وصَدَّ فالسدّ دون الصّدِّ، لأنّ السدِّ للباب والمنْظَرَة والصَّدَّ جانبُ الجبَل والوادي والشِّعب، وهذا أقوى من السدّ الذي يكون لثُقْب الكُوَّة ورأسِ القارورة.
ونحو ذلك.
ومن ذلك القَسْمُ والقَصْمُ فالقصْمُ أقوى فعلاً من القسم، لأنّ القصْمَ يكون معه الدقُّ، وقد يُقسم بين الشيئين فلا يُنكأ أحدُهما فلذلك خُصَّت بالأقوى الصاد، وبالأضعف السين.
ومن ذلك تركيبُ ق ط ر وتركيبُ ق د ر وتركيب ق ت ر فالتاءُ خافيةٌ مستقلة والطاء ساميةٌ متَصَعَّدةٌ فاستُعمِلَتا لعاديهما في الطرفين كقولهم: قَطْر الشيءِ وقَتْرهُ،
(١) قال ابن جني في (الخصائص) (٢/ ١٦١): (فجعلوا الصاد لقوتها، مع ما يشاهد من الأفعال المعالجة المتجشمة، وجعلوا السين لضعفها، فيما تعرفه النفس، وإن لم تره العين والدلالة اللفظية أقوى من الدلالة المعنوية.