للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والدال بينهما ليس لها صعودُ الطاءِ، ولا نُزول التاءِ فلذلك كانت واسطةً بينهما فَعُبّر بها عن معظم الأمرِ ومُقابلتِه فقيل قدرُ الشيء لجُماعه.

وينبغي أن يكون قولُهم قطرَ الإناءُ الماءَ إنما هو فَعَلٌ من لفظ القُطْر ومعناه ذلك لأنه [إنما ينقط] (١) الماء من صفحته الخارجةِ وهو قُطْرُه، فاعرِف ذلك فهذا ونحوُه إذا أنت أَتيتَه من بابه وأصلحْتَ فكرَك لتناوُله وتأمُّله أعطاك مَقادَه وأركبك ذُروتَه، وجلّي عليك [بهجاتُه] (٢) ومحاسنة وإنْ أنت تناكَرْتَه، وقلت هذا أمرٌ منتشرٌ ومذهبٌ صَعْبٌ مُوعرٌ حرمْتَ نفسَك لذَّته وسددْت عليها باب الحُظْوَةَ به.

ووراءَ هذا ما اللُّطفُ فيه أظهرُ والحكمةُ أعلى وأصنَعُ. وذلك أنهم قد يُضيفون إلى اختيار الحروفِ وتشبيهَ أصواتِها بالأحداث المعبَّرِ عنها (٣) وتقديمَ ما يُضاهي أوّلَ الحدثِ وتأخيرَ ما يُضاهي آخرَه (٤) سَوقًا للحروف على سمْت المعنى المقصودِ والغرضِ المطلوب.

ومن ذلك قولُهم شدَّ الحبْلَ فالشينُ لِما فيها من التفشّي تَشبَّهُ بالصوت أولَ انجذابِ الحبلِ قبل استحكام العَقْد، ثم يليها إحكامُ الشدِّ والجذْبِ فَيُعبّر [عنه] (٥) بالدال [١٠ب] التي هي أقوى من الشين لا سيما وهي مُدْغَمةٌ فهي أقوى لصنعتها وأدَلَُ على المعنى الذي أُريد بها. فأما الشِّدةُ في الأمر فإنها مستعارةٌ من شدّ الحبل.

ومن ذلك قولُهم جرَّ الشيءَ يجُرُّه، قدموا الجيمَ لأنها حرفٌ شديدٌ وأولُ الجرِّ المشقّةُ على الجارّ والمجرورِ جميعًا، ثم عقّبوا ذلك بالراء وهي حرف مكرَّرٌ، وكرَّروها مع ذلك في نفسها، وذلك لأن الشيءَ إذا جُرَّ على الأرض في غالب الأمرِ اضطربَ صاعدًا عنها ونازلاً، وتكرّر ذلك منه على ما فيه من التعْتعَة والقَلَق فكانت الراءُ لِما فيها من


(١) في المخطوط [يسقط]. وما أثبتناه من الخصائص (٢/ ١٦٢).
(٢) زيادة من الخصائص (١/ ١٦٢).
(٣) قال في الخصائص (٢/ ١٦٢): (بها ترتيبها).
(٤) قال في الخصائص (٢/ ١٦٢): وتوسيط ما يضاهي أوسطه.
(٥) زيادة من الخصائص (٢/ ١٦٢).