للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التكرير، ولأنها أيضًا قد كُرِّرتْ في نفسها أوفقَ لهذا المعنى من جميع الحروفِ.

فإنْ رأيتَ شيئًا من هذا لا ينقاد لك فيما رسْمناه ولا يتابِعُك على ما أردناه فذلك لأحد أمرين إما أن يكونَ لم تُنْعِم النظرَ فيه فيتَعَدَّ بك فكرُك عنه، أو لأن لهذه اللغةِ أصولاً وأوائلَ قد تخفى عنا وتقصُرُ أسبابُها دوننا.

قال ابنُ جني في الخصائص (١): فإن قلتَ فهلا أجَزْتَ أن يكون ما أوردتَه في هذا الموضعِ يعني ما قدّمنا ذكرَه شيئًا اتّفق وأمرًا وقع في صورة المقصودِ من غير أن يُعتَقَدَ قلت: في هذا حُكمٌ بإبطال ما دلتْ الدِّلالةُ عليه من حكمة العربِ التي تشهد بها العقولُ.

ثم قال ولو لم يُنبَّه على ذلك إلاَّ بما جاء عنهم من تشبيههم الأشياء بأصواتها كالخاقْ باق لصوت الفرجِ عند الجِماع، وغاق لصوت الغُراب وفي قوله: تداعَيْنَ باسم الشِّيب ... لصوت مَشافرِها.

ومنه قولُهم حاحَيْتَ وعافَيْتَ وهاهَيْتَ إذا قلتَ حاءِ وعاءِ وهاءِ، وقولُهم بسْمَلْت وهَيْلَلْت وحَوْقَلْت كلُّ ذلك بأشباهه إنما يرجِعُ في اشتقاقه إلى الأصوات.

قال (٢): ومن ظريف ما مرَّ بي في هذه اللغةِ التي لا يُكادُ يُعلم بُعدُها ولا يُحاط بقاصيها ازدحامُ الدال والتاء والطاء والراء واللام إذا ما زَجَتْهن الفاءُ على التقديم والتأخير، فأكثرُ أحوالِها ومجموعِ معانيها أنها للوهْن والضَّعْف ومن ذلك الدالِفُ للشيخ الضعيفِ والشيء التالفِ والطَّليف (٣). والدَّنِفُ المريضُ.

ومنه التَّنوفَةُ وذلك لان الفلاةَ إلى الهلاك، ألا تراهم يقولون لها مَهْلكة، وكذلك قالوا بيداء فهى فعْلاء من بادَ يبيد.


(١) (٢/ ١٦٤).
(٢) ابن جني في (الخصائص) (٢/ ١٦٦).
(٣) قال في (الخصائص) (٢/ ١٦٦) والظليف: المجّان وليست له عصمة الثمين.