وقولهم في التعريف: ((زيادة اللفظ على المعنى)) عام في الإطناب، وفي الألفاظ المترادفة كقولنا: ليث وأسد، فإنه من زيادة اللفظ على معناه. وقولهم لفائدة: يخرج عنه التطويل الذي هو زيادة من غير فائدة. وقولهم: (جديدة): تخرج عنه الألفاظ المترادفة، فإنها زيادة في اللفظ على المعنى لفائدة لغوية، ولكنها ليس جديدة. وقوله: (من غير ترديد) يتحرز به عن التواكيد اللفظية في مثل: (اضرب اضرب) فإنها زيادة اللفظ على المعنى لفائدة جديدة وهي التأكيد لكنه ترديد اللفظ وتكريره بخلاف الإطناب فإنه خارج عن التأكيد وحاصل الإطناب الاشتداد في المبالغة في المعاني أخذًا من قولهم: أطنبت الريح إذا اشتد هبوبها، وأطنب الرجل في سيره إذا اشتد فيه. ١ ـ وقد يقع الإطناب: قد يكون واقعًا في جملة واحدة: أ ـ في الجملة الواحدة على جهة الحقيقة ومثال ذلك. قال تعالى: {فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ} فإن المعلوم من حال السقف أنه لا يكون إلا فوق، وإنما الغرض المبالغة في الترهيب والتخويف والإنكار والرد. ب ـ ما يرد على جهة المجاز ـ في الجملة الواحدة ـ مثاله: قال تعالى: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} فالفائدة بذكر الصدور هنا وإن كانت القلوب حاصلة في الصدور علي جهة الإطناب بذكر المجاز. ٢ـ وقد يقع في الجملة المتعددة: أ ـ ما يرد عن طريق النفي والإثبات: ومثاله: قال تعالي: {لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} ثم قال سبحانه: {إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ} فالآية الثانية كالآية الأولى إلاَّ في النَّفي والإثبات، فإن الأولى من جهة النفي والثانية من جهة الإثبات، فلا مخالفة بينهما إلاَّ فيما ذكرناه، خلا أن الثانية اختصت بمزيد فائدة وهي قوله: {وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ}. ب ـ أن يصدر الكلام بذكر المعنى الواحد على الكمال والتمام، ثم يردف بذكر التشبيه على جهة الإيضاح والبيان ومثاله قول البحتري: ذاتُ حسن لو استزادت من الحسـ ... ـن إليه لما أصابت مزيدًا فهي كالشمس بهجة والقضيب واللَّدْ ... ن قَدًّا والرئم طرفًا وجيدًا فالبيت الأول كان كافيًا في إفادة المدح وبالغًا غاية الحسن، لأنه لما قال: ((لو استزادت لما أصابت مزيدًا)) دخل تحته كل الأشياء الحسنة، فلا أن للتشبيه مزية أخري تفيد السامع تصويرًا وتخييلاً لا يحصل من المدح المطلق، وهذا الضرب له موقع بديع في الإطناب. جـ ـ أن يذكر الموصوف فيؤتي في ذلك جمعان متداخلة خلا أن كل واحد من تلك المعاني مختصٌّ بخصِّيصةٍ لا تكون للآخر ومثاله قوله أبي تمام يصف رجلاً أنعم عليه: مِنْ منَّةٍ مشهورة وصنيعةً ... بِكْرٍ وإحسان أغرَّ مُحَجّلِ فقوله: منَّة مشهورة، وصنيعة بكر، وإحسان أغر محجّل، معانٍ متداخلة لأن المنّة والإحسان والصنيعة كلها أمور متقاربة في بعضها من بعض. وليس ذلك من قبيل التكرار. لأنها إنما تكون تكريرًا لو اقتصر على ذكرها مطلقة من غير صفة كأن يقول مِنَّة وصنيعة وإحسان. ولكنه وصف كل واحدة منها بصفة تخالف الأخرى. فقال: مِنَّة مشهورة لكونها عظيمة الظهور لا يمكن كتمانها، وقوله: ((صنيعة بكر)) وصفها بالبكارة أي أن أحدًا من الخلق لا يأتي بمثلها، وقوله: ((وإحسان أغرَّ محجل)) فوصفه بالغُرَّة ليدل على تعداد محاسنه وكثرة فوائده: فلما وصف هذه المعاني المتداخلة الدالة على شيء واحد بأوصاف متباينة صار ذلك إطنابًا. د ـ ومن الإطناب أن المتكلم، إذا أراد الإطناب فإنه يستوفي معاني الغرض المقصود من الرسالة أو الخطبة أو تأليف كتاب أو قصيدة أو غير ذلك من فنون الكلام، وهذا من أصعب هذه الضروب الأربعة وأدقها مسلكًا، وبه تتفاضل المراتب، ويتفاوت الأدباء في أساليب النظم والنثر. ويكون الإطناب بأمور كثيرة منها: ١) الإيضاح بعد الإبهام. نحو قوله تعالي: {أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ (١٣٢) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (١٣٣) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ}. ٢) عطف الخاص على العام. ويكون للتنبيه على فضل الخاص حتى كأنه من جنس العام. لما امتاز به عن سائر أفراده من الأوصاف، تنزيلاً للتغاير في الوصف منزلة التغاير في الذات. نحو: قوله تعالي: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا} فقد خصَّ الله سبحانه وتعالي الروح وهو (جبريل) بالذكر مع أنه داخل في عموم الملائكة تكريمًا له وتعظيمًا لشأنه، كأنه من جنس آخر. ٣) عطف العام على الخاص ويكون لإفادة العموم والشمول نحو: قوله تعالي: {وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ} وذلك لإفادة الشمول من العناية بالخاص لذكره مرتين: مرة وحده، ومرة مندرجًا تحت العام. ٤) التكرير والتكرير البليغ ما كان لنكتة بلاغية. كتأكيد الإنذار في نحو قوله تعالي: {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} وفي ثم دلالة على أن الإنذار الثاني أبلغ من الأول تنزيلاً لبعد المرتبة لبعد الزمان واستعمالاً للفظ (ثم) في التدرج في الارتقاء. ٥) الإيغال: قال بعضهم الإيغال: هو ختم البيت بما يفيد نكتة يتم المعنى بدونها وعلى هذا فإنه يختص بالشعر. وقيل: لا يختص بالشعر. ومثلوا له بقوله تعالى: {قَالَ يَا قَوْم اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (٢٠) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ} فقول: {وَهُمْ مُهْتَدُونَ} مما يتم المعنى بدونه لأن الرسول مهتدٍ لا محالة، إلا أن فيه زيادة حث على الاتباع وترغيب في الرسل. ٦) التذييل هو تعقيب الجملة بجملة أخرى تشتمل على معناها بعد إتمام الكلام لإفادة التوكيد، وتقريرًا لحقيقة الكلام. نحو قوله تعالى: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}. ٧) التكميل ويسمى الاحتراس وهو أن يأتي في كلام يوهم خلاف المقصود بما يدفعه, وذلك الدافع قد يكون في وسط الكلام كقول الشاعر: فسقى ديارك غير مفسدها ... صوب الربيع وديمةٌ تهمي فلما كان المطر قد يؤول إلى خراب الديار وفسادها أتى بقوله: (غير مفسدها) دفعًا لذلك. وقد يأتي في آخر الكلام كما في قوله تعالى: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ}. ٨) التتميم: وهو أن يذكر الشاعر المعنى, فلا يدع من الأحوال التي تتم بها صحته, وتكمل معها جودته شيئًا إلا آتى به مثل قول نافع بن خليفة الغنوي: رجالٌ إذا لم يقبل الحقٌ منهم ويعطوه عاذوا بالسيوف القواطع وإنما تمت جودة المعنى بقوله: (ويعطوه) وإلا كان المعنى منقوص الصحة. وفي قوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} فقوله: {وَهُوَ مُؤْمِنٌ} تم المعنى. ٩) الاعتراض: هو أن يؤتى في أثناء الكلام أو بين كلامين متصلين معنى بجملة أو أكثر لا محل لها من الإعراب لنكتة سوى دفع الإيهام كالتنزيه في قوله تعالى: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ} فقوله: {سُبْحَانَهُ} جملة لأنه مصدر بتقدير الفعل وقعت أثناء الكلام. (معجم البلاغة العربية) (٣٨٨, ٤١٤) , (البلاغة العربية) (٢/ ٦٠ـ ٦٩, ٧٦, ٨٠).