للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كيف جعل مراتبَ الإنكار هاهنا ثلاثةَ أقسام:

القسم الأَول: مرتبةُ من كان قادرًا على تغيير المنكر بيده، فإِنه جعل فَرْضَهُ التغييرِ باليد، ولم يسوغ له الانتقالَ عن هذه الرتبةِ التي بعدها إِلا بشرط عدمِ الاستطاعةِ ثم لم يسوغْ له الانتقالَ إلى الرتبة الثالثةِ وهي الإنكارِ بالقلب ـ إلا بشرط عدم الاستطاعةِ على الرتبة الثانيةِ، فمن كان مستطيعًا لتغيير المنكرِ بيده فعدلَ إِلى الإنكار بلسانه فهو إِنَّما جاء بالتعذير، وكذا من [٢أ] كان قادرًا على الإنكار بلسانه فعدلَ إلى الإنكار بقلبه فهو إِنما فعل مجرَّد التعذيرِ، ولا يصدقُ عليه القيامُ بما افترضه الله عليه من إِنكار المنكر، ولا يقال له: إِنه أَنكر المنكر، ولهذا عمَّ الله بني إسرائيلَ بالعذاب، مع أَنهم قد أَنكروا في الصورةِ، ولكنهم عدلُوا عن الذي أَوجبه الله عليهم إِلى غيره بغير عذرٍ كما قال العلاَّمةُ: (إنهم نُهُوا عن المنكر تعذيرًا).

إذا تقرر لك معنى التعذير فاعلم أَن معنى المعذرة إِبداءُ العذْرِ بفعل ما يجب، وهي مصدر عَذَرَ مخفَّفُ الذال وأعْذَرَ، قال في القاموس (١): (عذر يعذُرُ ـ عذرًا ومعذِرةً ومعذُرة وأعذره، والاسم المعذَرة مثلثةُ الذال.

قال: وأعذر أبْد عذرًا، وأحدث، وثبت له عذرٌ) انتهى.

وقال: الرازي في مفاتيح الغيب (٢): (المعذرةُ مصدرٌ كالعُذْرِ) وقال أبو زيد (٣) عذرتُه أعذرَ عذرًا ومعذرةً) ومعنى عذره في اللغة (٤): إذا أقام بعذره (وقيل عذره يقال: من يعذرُني، أي من يقوم بعذري، وعذرتُ فلانًا فيما صنع أي قمتُ بعذرِه،


(١) (ص٥٦١).
(٢) (١٦/ ١٥٩)
(٣) انظر: (لسان العرب) (٩/ ١٠٣).
(٤) قال ابن فارس في (مقاييس اللغة) (٤/ ٢٥٤): قال أهل المُعْذِرون بالتخفيف هم الذين لهم العُذْر، والمعذِّرون:
الذين لا عذر لهم ولكنّهم يتكلَّفون عُذرًا.