للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد صرَّحوا بذلك في قولهم [١]: جعل الغوايةَ مركبًا، وامتطى الجهلَ، واقتعدَ غارِبَ الهوى ... انتهى.

وكل ناظر يعلم أن المحكومَ عليه في كلامه هذا بكونه مثلاً هو معنى الاستعلاء، وليس في مثل هذا نزاعٌ، ولا هو بموضوع اشتباهٍ، فإنه كلام على معنى الاستعلاء الذي عَنْونَ به كلامَهُ، وعقد البحث عليه. ولا شك ولا شبهةَ أن هذا الاستعلاءَ الذي ذكره هنا وتكلَّم عليه هو متعلَّق معنى الحرف المذكور في الآية الكريمةِ، أعني (على)، وليس فيها ما يفيد هذا المعنى قطُّ غيرُهُ.

فالزمخشريُّ قد حكم على متعلَّق هذا المعنى الحرفي بأنه مَثَلٌ لتمكُّنِهم من الهدى، واستقرارهم عليه، وتمسُّكِهم به. ثم زاد المقامَ إيضاحًا وبيانًا بأن متعلِّق ذلك المعنى الحرفيِّ استعارةٌ تمثيليةٌ، فقال: شُبِّهَتْ حالُهم بحالِ منِ اعتلى الشيء وركبَه، فلم يبقَ شكٌّ حينئذٍ في مرادهِ ومعنى كلامِه، بل وضوحُه غنيٌّ عن البيان، فإنه لم يستغنِ بالحكم على المعنى الحرفي بكونِه مثلاً حتى فسَّر ذلك المثلَ بأنه تشبيهُ الحالةِ بالحالة.

وإذا تقرر لك أن المحكومَ عليه بكونه مثلاً هو متعلَّق ذلك المعنى الحرفي فأنت لا يخفى عليك أن الاستعارةَ في متعلَّق معاني الحروف تبعيةٌ، كما صرَّح به علماء البيانِ تصريحًا يستغني عن البيان. (١).


(١) قال محيي الدرويش في (إعراب القرآن الكريم وبيانه) (١/ ٢٦): (الاستعارة التصريحية التبعيّة في قوله: {عَلَى هُدًى} تشبيهًا لحال المتقين بحال من اعتلى صهوة جواده فحذف المشبه واستعيرت كلمة (على) الدالة على الاستعلاء لبيان أنَّ شيئًا تفوق واستعلى على ما بعدها حقيقة نحو: زيد على السطح، أو حكمًا نحو: عليه دين فالدين للزومه وتحمله كأنّه ركب عليه وتحمله والدقة فيه أن الاستعارة بالحرف ويقال في إجرائها: شبه مطلق ارتباط بين هدى ومهدي بمطلق ارتباط بين مستعلٍ ومستعلى عليه بجامع التمكن في كل منها فسرى التشبيه من الكليات إلى الجزئيات ثم استعيرت (على) وهي من جزئيات المشبه به لجزئي من جزئيات المشبه على طريق الاستعارة التصريحية التبعية ومثل الآية الكريمة قوله:
لسنا وإن أحسابنا كرمت ... يومًا على الآباء نتكل