للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعند هذا تعلمُ مطابقةَ ما شرحه السعدُ في حاشيته لهذا الكلام المشروحِ، فإنه قال ما لفظه: ومعنى الاستعلاء مَثَلٌ أي: تمثيلٌ، وتصويرٌ لتمكُّنِهم من الهدى، يعني أن هذه الاستعارةَ تبعيةٌ تمثيلاً. أما التبعيةُ فَلِجَرَيانِها أولاً في متعلَّق معنى الحرف، وتبعيُتها في الحرفِ. وأما التمثيلُ فلكون كلٍّ من طرفي التشبيهِ حالةً منتزعةً من عدةِ أمورٍ، لأنه شُبِّهَتْ حالُهم في الاتصاف بالهدى على سبيل التمكُّن والاستقرارِ بحال من اعتلى الشيءَ وركبَه، فتكون الصفة بمنزلة المركوب ... انتهى. (١)


(١) قال الشريف في حاشيته على (الكشاف) (١/ ١١٠): اعلم أنَّ قوله: {عَلَى هُدًى} يحتمل وجوهًا ثلاثة:
الأول: ما مرَّ من تشبيه تمسُّكهم بالهدى باستعلاء الراكب.
الثاني: أنَّ تشبيه هيئة مُنتزعة من المتَّقي والهدى وتمسُّكه به بالهيئة المنتزعة من الراكب والمركوب واعتلائه عليه فيكون هناك استعارة تمثيلية مُركَّب كل من طرفيها، لكنه لم يُصرح من الألفاظ التي هي بإزاء المُشبَّه به إلاَّ بكلمة (على)، فإنَّ مدلولها هو العمدة في تلك الهيئة، وما عداه تبعٌ له يُلاحظُ معه في ضمن ألفاظ منوية، وإن لم تكن مقدَّرة في نظم الكلام، فليس حينئذٍ في (على) استعارةً أصلاً، بل هي على ما لها قبل الاستعارة، كما إذا صرَّّح بتلك الألفاظ كلها.
الثالث: أن يُشبَّه الهدى بالمركوب على طريقة الاستعارة بالكناية، وتُجعل (على) قرينة لها على عكس الأول كما اختاره الإمام السكَّاكي، وحينئذ فمن اعتبر في طرفي التشبيه تلك الهيئة الوحدانية وحكم بأنَّ الاستعارة تبعية، فقد اشتبه عليه الوجه الأول بالثاني، وقد تمادي في ذلك مَنْ ادَّعى تكرُّرَه في الكشاف وهو بريء منه، وتوهَّم أنَّ عبارة المفتاح في تقرير الاستعارة التبعية في (لعلَّ) بيِّنةٌ في اجتماع التبعية والتمثيلية فيما ادَّعاه، وليس فيها إلا أنه شبَّه حال المكلَّف بحالة المُرتجى، والحال أعمُّ من المفرد والمُركَّب، كما لا يخفى.
فإن قلت: إذا جُوِّز في التمثيل أن يكون طرفاه مفردين مع تركُّب وجهه؛ أمكن أن يُجامع الاستعارة التبعية في الحروف والأفعال.
قلتُ: نعم, لكن الحق اسْتلزم التمثيل تركُّبُ طرفيه, فإن المتبادَرَ من قولهم: التمثيل؛ ما وجهه مُتنوعٌ من عدَّة أمور في كل من الطرفين, وإنْ أمكن أن يراد انتزاعه من أمور هى أجزاؤه كما في الهيئة المنتزعة التي تجعل مشبَّهة أو مشبَّهًا به, لا يُقال: تركُّب طرفيه واجبٌ بحسب المعنى, وأما بحسب اللقظ قلا, إذْ ربما يُطلق لفظ واحد على قصة, كقوله تعالى: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا} [البقرة:١٧]؛ لأنَّا نقول: المراد بكون المعنى مُفرَدًا: أن يُلاحظ ملاحظةٍ واحدة في ظمن لفظ واحد, سواء لم يكن له أجزاء متعدِّدة لُحظت دفعة إجمالاً, ويكون المعنى مركَّبًا: أن يلتفت إلى أشياء عدَّة؛ كل على حدة, ثم يُضمُّ بعضها إلى بعض, وتصير هيئة وحدانية, وكل معنى ذي أجزاء عُبِّر عنه بلفظ واحد لم تكن تفاصيلها ملحوظةٍ ولم تعد مركَّبًا, وأما التشبية بالمثل فلا يُعني شيئًا, فإن الحالة المختصَّة المشَّبهة إنما تُفهم من ألفاظ مقدَّرة, أي مثلهم بما ذكر من إظهار الإيمان وإبطان الكفر وما يترتَّب عليه من الخداع المستتبع للمنافع, كما أن الحالة المشبَّه بها تثقهم من جميع الألفاظ المذكورة ههنا.
قوله ـ أي الزمخشري ـ: (نحوه: هو على الحق) تجري فيه الوجوه الثلاثة؛ أي السابقة.
قوله ـ أي الزمخشري ـ: (وقد صرَّحوا بذلك ... ) لما ذكر أن كلمة (على) مستعارة للتمسُّك بالهدى؛ لوم من ذلك تشبيه الهدى ونظائره بالركوب, وربما تبادَر إلى بعض الأذهان استبعاده, فأزاله بأن هذا التشبيه فيما ذكرناه ضمني غير مقصود من الكلام, وقد صرَّحوا به في مواضع أُخَر؛ وجعلوه مقصودًا منه.
أما في صورة التشبيه كما في قولهم: جعل الغواية مركبًا, فإنه في قوة قولك: الغواية مركب؛ أي كالمركب. وأما في صورة الاستعارة كما في قولهم: اقتعد غارب الهوى, فقد شبه الهوى بالمطيَّة على طريقة الاستعارة المكنية. اهـ.