للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مشبهًا بها.

أقول: تدبَّر هذا المقامَ تظفرْ بالمرامِ، فإنه أورد على نفسِه أنه يجوزُ أن يكون طرفًا التمثيل مفردينِ، وأن هذا التجويزَ يجامع الاستعارةَ التبعيةَ في الحروف والأفعالِ، ثم قال في الجواب (قلتُ نعم) وهذا تسليمٌ منه يرفعُ النزاعَ، ويدفع الاعتراضَ، وينادي بأبلغِ صوتٍ، وينطق بأفصحِ لسانٍ أن كلام خَصْمِه حقٌّ، وأن اعتراضَه باطلٌ، ثم نكصَ بعد هذا التسليمِ فقال بعد قوله نعم: لكنَّ الحقّ استلزامُ التمثيل تركُّبَ طرفيه. فيقال له: هذا الاستلزام إن كان متعينًا لا يجوزُ غيرُه، فما معنى قولك نعم [٧]! وإن كان غيرَ متعيَّنٍ لم يبق لاعتراضك موضعٌ، وصح كلام خصمِك باعترافِك، فليس المرادُ إلا وجودَ المصحح. ثم نقول: ما تريد بتركُّبِ الطرفينِ؟ هل تركُّبُ اللفظينِ أم تركُّبُ المعنى المستفادِ منهما؟ إن قلتَ: بالأول فذلك شيءٌ خارج عن الفن لا يقول به أحدق من أهله وإن قلتَ بالثاني كما هو صريح كلامِك سابقًا فقد تقدم ما فيه.

قال: لا يقال تركُّبُ طرفيهِ واجبُ بحسبِ المعنى، وأما بحسب اللفظ فلا، إذ ربما يُطلقُ لفظٌ واحد على قصةٍ كقوله تعالى: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي ... } لأنا نقول: المرادُ بكون المعنى مفردًا أن يُلاحَظَ ملاحظةً واحدةً في ضمنِ لفظ واحدٍ، سواء لم تكن له أجزاءٌ أو كانت أجزاءً متعددةً لوحِظَتْ دُفعةً إجمالاً، ويكون المعنى مركَّبًا أن يلتفتَ إلى أشياءَ عدَّةٍ عنه كلٌّ على حِدّةٍ ثم تُضَّمُّ بعضُها إلى بعض وتصيرُ هيئةًً وحدانيةً، فكل معنى ذي أجزاء عُبِّرَ عنه بلفظ واحدٍ لم تكن تفاصيلُها ملحوظةً، ولم يعد مركبًا، وأما التشبيهُ بالمثلِ فلا يغني عنك شيئًا؛ فإن الحالةَ المختصَّةَ المشبَّهةَ إنما تُفُهَمُ من ألفاظٍ مقدَّرةٍ، أي مثَّلهم بما ذكر من إظهارِ الإيمانِ وإبطانِ الكفر، وما يترتب عليه من الخداعِ المستتبعِ للمنافعِ، كما أن الحالةَ المشبَّهةَ بها تفهم من جميعِ الألفاظِ المذكورةِ هاهنا.

أقول: قد أسفر بهذا الكلام الصبحُ لذي عينينِ، فإن هذا المحقَّق قد عقد بحثَه على أن معنى (على) مفردٌ، ثم لما تبيَّن له أن ذلك لا يغني من الحقِّ شيئًا أوردَ على نفسِه هذا