للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قد منع عليه استلزامَ انتزاعِ كلٍّ من طرفي التشبيهِ من متعدِّدٍ لتركُّبهما، ولم ينهض الشريفُ بعد هذا المنعِ بدليل تقوم به الحجةُ، بل اشتغلَ تارةً بالكلام على الطرف باعتبارِ لفظ المشبَّه به، وتارة باعتبار معناه، فاضطرب البحثُ، وتلوَّن كما أوضحناه فيما سبق.

وأما ما ذكره في الوجه الثالثِ عن السَّعدِ فليس بينه وبين كلامه هنا منافاةٌ قطُّ، لا بمطابقةٍ، ولا تضمن، ولا التزامٍ، بل ذلك كلامٌ في تحقيق التشبيه المفردِ والمرَّكبِ فتدبَّرْه. فإن قوله: فتقعُ في كلٍّ من الطرفين عدةُ أمور. الذي جعله الشريفُ حجةً له عليه، ليس فيه إلا أنَّه يعتبرُ أن يكون معنى الطرفِ كذلك، وهو يلتزمُه في معنى الاستعلاء الذي هو محلُّ النزاعِ كما صرَّح به في كلامه الذي نقلَه عنه خصمُه، ولا مخالفةَ بينه وبين ما قاله من أن تركُّبَ المأْخَذِ لا يستلزمُ تركُّبَ الطرفِ، فإنه يريدُ به هاهنا اللفظَ الواقعَ طرفًا للتشبيه ...

قال: ولعلك تشتهي الآنَ زيادةَ تحقيقٍ وتوضيحٍ في البيان.

فنقول: قولُه تعالى: {عَلَى هُدًى} يحتملُ وجوهًا ثلاثة:

أحدها: أن تشبيه الهدى بالمرْكبِ الموصلِ إلى المقصد فيثبتُ له بعض لوازمِه، وهو الاعتلاء على طريقةِ الاستعارةِ بالكناية.

وثانيهما: أن يشبَّه تمسُّكُ المتقينَ بالهدى باعتلاء الراكبِ في التمكنِ والاستقرارِ، وحينئذ تكون كلمةٌ (على) استعارةً تبعيةٌ.

الثالث: إن تشبُّهَ هيئة مركبةٍ من المتقي والهدى، وتمسُّكَهُ به ثابتًا مستقرًا عليه. لهيئةِ مركبِه من الراكبِ والمركوبِ، واعتلائِه عليه متمكِّنًا منه. وعلى هذا ينبغي أن يذْكُرَ جميعَ الألفاظِ [١٣] الدالةِ على الهيئةِ الثانية، ويراد بها الهيئةُ الأولى، فتكون مجموعُ تلك الألفاظ استعارةً تمثيليةً، كلُّ واحد من طرفيها منتزعٌ من أمور متعددة، ولا تكون في شيء من مفرداتِ تلك الألفاظِ تُصَرَّفُ بحسب هذه الاستعارةِ، بل هي على حالها قبل