للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا نزاع في وجوب التركيبِ، إنما النزاعُ في استلزام هذا التركيب لتركيبِ كل من الطرفين لفظًا ومعنى كما سبق تقريرُه غيرَ مرَّة، ثم كمل المغالطةَ بأنه صرَّح بذلك في الإيضاحِ، (١) وشهد بهِ كلامُ المفتاحِ، وليس فيهما إلا كونُ التركيبِ واجبًا في الاستعارةِ التمثيليةِ، لا أنه لا بد أن يكون كلٌّ من طرفيها مركَّبًا لفظًا ومعنى، فإن ذلك هو محلُّ النزاع. وقد عرفت أنه وقع التصريح في المفتاح بخلافِ ما زعَمَهُ كما تقدَّم عن العلويِّ راويًا لذلك عنه في خصوص مسألةِ النزاعِ وهو اجتماعُ الاستعارة التمثيليةِ [١٩] والتبعيةِ، وكما يُسْتفادُ من الدليل الاستقرائي حسبما تقدم به التصريح.

والحاصل أن الخصم قائم مقام المنعِ مطالبٌ بالدليل فما هو؟ وأين هو؟ وكيف هو؟

قال: فإن قلت: قد نتخيل اجتماعَ التبعيةِ والتمثيليةِ من تقرير السكاكي: الاستعارةُ في (لعلَّ) في قوله تعالى: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} قلتُ: ذلك تخيل فاسدٌ، وكيف لا وقد صرَّح في صدر كلامه بأن المشبَّه به والمستعارَ منه أصالةً هو معنى الترجِّي، ويعلم من ذلك مع باقي كلامه أن المشبَّه والمستعارَ به أصالة هو الإرادة، ثم يسري التشبيهُ والاستعارة فيهما إلى المعنى الحقيقي لكلمة (لعلَّ)، فيصير مشبَّهًا به ومستعارًا منه تبعًا.

وإلى المعنى المقصود بها في تلك الآية ونظائِرها فيصيرُ مشبًَّهًا ومستعارًا له تبعًا، وكما أن المعنى الحقيقيَّ بهذه الكلمة غيرُ مستقلٍّ بالمفهومية، وإذا أريدَ أن يُفَسِّرَ عُبّر عنه بالترجِّي، (٢) كذلك معناها المجازي المرادُ بها هاهنا غيرُ مستقلٍّ في المفهوميةِ. وإذا أريدَ


(١) انظر (الإيضاح في علوم البلاغة) (ص٢٩٣).
(٢) إذا ورد الترجي في كلام الله تعالى ففيه تأويلات:
١) إن لعلَّ على بابها من الترجِّي والأطماع ولكنه بالنسبة إلى المخاطبين وقد نص على هذا التأويل سيبويه في كتابه والزمخشري في كشافه.
٢) إن لعلَّ للتعليل أي اعبدوا ربكم لكي تتقوا. نص عليه قطرب واختاره الطبري في تفسيره.
٣) أنها للتعرض للشيء كأنه قيل: افعلوا ذلك متعرضين لأن تتقوا. نص عليه أبو البقاء واختاره المهدويّ في تفسيره.
انظر: (إعراب القرآن الكريم وبيانه) (١/ ٥٤ ـ ٥٥).